أمريكا.. شيكا بيكا
د. ناهد قرناص
عدت إلى الخرطوم فوجدت القوم في شغل فكهون.. الانتخابات الأمريكية تستحوذ على اهتمام العالم كله.. والاسافير انقسمت فيما بينها.. والدعوات ترتفع لفوز بايدن.. أو ترامب.. كل له دفوعاته.. والامر كله يدعو للابتسام.. فالمعلوم بالضرورة.. أن الحزبين الكبيرين في أمريكا هما أحمد وحاج أحمد بالنسبة للسياسة الخارجية.. فأمريكا دولة مؤسسات يتم اتخاذ القرارات فيها طبقا للمصالح الأمريكية ورفاهية الشعب الأمريكي.. لا وجود هناك للعواطف.. وما في حاجة اسمها الجماعة ديل اخوانا.. ولا جدهم كان جارنا.. أو تلك القصص التي يحكيها البعض عن الأمجاد الغابرة والاساطير القديمة .
المثير للعجب أن الساسة في بلادنا يتابعون الانتخابات الأمريكية عن كثب ومن زمانا.. لكن لا يفكر أحدهم في الاستفادة واخذ الدروس والعبر.. ألا تلاحظون معي يا سادة يا كرام أن أمريكا بكل حجمها وزخمها.. يتنازع السلطة فيها حزبان فقط لا غير ؟ لا يوجد فيها الحزب الديمقراطي الأصل.. ولا الحزب الجمهوري جناح جورج بوش الأب!.. كل الساسة الأمريكان ينخرطون تحت مظلة هذين الحزبين.. وكل من تحدثه نفسه بخوض غمار السياسة عليه أن يحزم أمره باكرا.. (معانا ؟ ولا مع الخيانة ؟).. وإذا دار محور سؤلك عن الخلاف عزيزي القارئ.. فان الاختلاف بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي لن تجده على قضايا دول مجاورة أو أفكار عفا عليها الزمن.. الاختلاف على الأطروحات للمشاكل القائمة حاليا.. ورؤية كل حزب لمستقبل التعليم.. التأمين الصحي.. نظام الضرائب.. وكل ما يمكن أن يساهم في رفاهية الفرد الامريكي..
طبعا نحن فوق عزنا وقبائل ما بتهزنا .يوجد عندنا في السودان ما يقارب الـ 80 حزب مسجل.. طبعا هذا الرقم حسب آخر احصائية وصلت إلينا.. وربما زاد العدد في هذه الفترة التي لم نراهم فيها.. فالأحزاب عندنا تنقسم بخاصية الانقسام الثنائي البسيط.. وهناك من ينقسم بطريقة التبرعم.. يعني يكون خط معارض في الحزب الكبير.. وشوية شوية كدا ينفصل مكونا حزبا صغيرا يحمل ذات الاسم.. (حزب الرفاهية المستحيلة جناح أم جكو).. لو فكرنا في ذلك الاختلاف الكبير الذي جعل مجموعة من الأفراد تجتمع لتكون حزبا.. ستجد الخلاف غالبا ما يكون حول قضية دولة أخرى.. او فكرة قادمة ايضا من الخارج.. لكن لو سألتهم عن القضايا السوادنية.. ستجد الآراء متقاربة وتكاد تكون متطابقة.. طبعا ربما لن تجد إجابة.. فالسودان عادة يتم التعامل معه على طريقة رزق اليوم باليوم حتى في الطرح السياسي.
أما قادة الحركات المسلحة فأمرهم عجب.. فهم يحملون السلاح ضد الحكومة لسنوات.. لا يهمهم تغير الوجوه في الحكم.. وقضيتهم الأساسية هي التهميش واستحواذ المركز على الاهتمام.. وهذا الأمر لا جدال فيه وتعاني منه كل الأطراف.. لكن لو سألته ماذا فعلت أنت لهذا الإقليم المهمش؟ لن تجد إجابة مقنعة.. وقد شاهدت قبل فترة صورة أحد قادة الحركات المسلحة جالسا وسط قبيلته التي يقاتل من أجلها.. كان هو الوحيد الذي يرتدي ملابسه كاملة.. كل من حوله كانوا شبه عراة.. نساء ورجالا.. لا يرتدون إلا ما يستر العورة.. يحملون عصى.. وأقدامهم حافية.. تأملت طويلا في الصورة.. كانت ابتسامته تملأ وجهه.. فقد ضمن أصوات هؤلاء.. الذين لم يفكر هو في زرع وعي مجتمعي.. يجعلهم يلبسون ملابس تقيهم شر الحر والبرد.. أو أحذية تحمي أرجلهم من أذى الطريق.. الأموال كلها كان يشتري بها اسلحة.. الطفل هناك لا يذهب للمدرسة ولكنه يجيد استخدام السلاح.. تنتهي حياته وهو لم يعشها.. عاشها بدلا عنه قائد الحركة.. سافر وقطع الأرض طولا وعرضا.. وارتدى أجمل الملابس وأفخر الأحذية.. وتناول الطعام في افخر المطاعم.. وبس خلاص
حكينا القصة دي ليه ؟ لأني فكرت في فرز الكيمان ومحاولة دمج الأحزاب.. لتسهيل الأمر علينا نحن المواطنين أصحاب الجلد والرأس.. لذلك فإني أرجو من السادة رؤساء الأحزاب وقواد الحركات المسلحة الموقعة مع الحكومة أو تلك التي في طريقها للتوقيع.. الإجابة عن السؤال التالي “ما هي رؤية الحزب أو الحركة للخروج من المأزق الاقتصادي السوادني ؟” كل واحد يأتي ليقول لنا “ماذا نفعل في بلد غني بالموارد.. مليء بالكوارث مثل السودان؟” سؤال واحد فقط لا غير.. صدقوني لو أجابوا عن هذا السؤال بصدق وشفافية.. سنجد أنفسنا أمام حزب واحد أو حزبين فقط لا غير..
حتى ذلك الحين أتمنى لكم انتخابات أمريكية سعيدة.. والعاقبة عندكم في المسرات
الجريدة
التعليقات مغلقة.