محمد أبوعبيدة يكتب: وداعاً نورين
نورٌ خبا، بل نوران اثنان، لا وربي بل أنوارٌ متلألئة.
نورين هو اسمه ووسمه.
نور القرآن و القرآن أنوارٌ و أنوار، ضياءٌ لامع، ونورٌ ساطع.
انطفأ السراج، لا والله ما انطفأ بل توقد، منذ وفاته ومن كل مكان يتسلل إليك نور سراجه، وصوت قرآنه فالقرآن سراج لا يخبو ضياؤه، وشهاب لا يخمد نوره وسناؤه.
هل سكت المزمار ؟ لا والله ما سكت، بل ارتفع صوته وانتشر إطرابه، وعم صوته، مع غصة في القلب، ودمعة في العين، وحزن في الفؤاد، لكن يظلله رضاً عن الرحمن و تسليماً بقدره، ويقيناً أن ما عنده خيرٌ وأبقى.
سقى الله أيامنا يا صديقي.
يوم أن كنتَ إماماً في مسجد آمنة سعيد بأم بدة ، وكنتُ أنا الخطيب.
يوم كنتَ تقول لي هذا مكاننا، مع هؤلاء المحبين الغبش.
يوم كنت تتصل بي وتقول حدثنا اليوم عن رسول الله، فالقلوب تتحرق شوقاً.
يوم كنت تقول لي حدثنا عن الموت فالدنيا شغلتنا.
يوم كنت تقول لي الدنيا دي والله ما فيها شي.
يوم كنت تقول و تقول و تقول ، ولا تقول إلا خيراً.
آهٍ يا صديقي، رحم الله تلك الأيام.
لن أقول وداعاً نورين، فمثلك لا يودع، وكيف نودع من سيرته باقية وقرآنه شاهد وتلاوته محفوظة ووده منقوش وحبه مصون، وصداقته قديمة، وإخاؤه موفور .
القلب تفطر ألماً، والعين فاضت بدل الدمع دما.
ترى هل أنعيك؟
لكن كيف أنعيك؟
هل أنعي التواضع والبساطة؟
أم المودة والإخاء؟
أم الكرم والمروءة؟
هل أنعي العفة والإباء؟
أم أنعي تلك الابتسامة و الكلمة الطيبة؟
هل أنعي حبك للقرآن و طربك به وعيشك معه؟
أم أنعي صداقتنا و ودنا وترافقنا؟
وداعاً نورين.
لا والله بل إلى اللقاء.
أي لقاء وقد مات؟ لقاءين اثنين.
لقاؤنا الأول تحت العرش، ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه.
ولقاؤنا الجنة، أقولها بملء فمي ملتقانا الجنة يا أخي، ليس تألياً على الله – معاذ الله – لكن هذا ظننا في ربنا، فظننا فيه حسن، وظننا فيك يا ربي جميل.
اللهم أفرغ على قلوبنا صبراً وأنزل علينا بر الرضا و ثبتنا بثبات اليقين و اجمعنا في دار المتقين يا أكرم الأكرمين.
السوداني
التعليقات مغلقة.