احتماء لجان المقاومة بالشارع يربك القوى المدنية في السودان

166

سودان 4 نيوز – العرب

طغت الخلافات بين مكونات الثورة في السودان على مشاورات تشكيل المجلس التشريعي حاليا، وأحدثت رغبة ما يسمى بـ”لجان المقاومة الشعبية” في الانتقال من الشارع إلى السلطة عبر مقاعد الولايات في المجلس، ارتباكا في صفوف تحالف قوى الحرية والتغيير، صاحب التمثيل الأكبر لمقاعد المدنيين في مجلسي السيادة والوزراء، إلى جانب سيطرته على غالبية الولاة المعينين.

لم تنجح الاتصالات المكثفة التي أجراها المجلس المركزي للحرية والتغيير مؤخرا في الوصول إلى موعد للاتفاق على نسب تمثيل الكتل الرئيسية في المجلس التشريعي، بعد أن انسحبت لجان المقاومة من أول اجتماع عقد قبل أيام، واتهمت قوى الحرية والتغيير بممارسة ألاعيب لتقسيم المقاعد بينها.

وأكد القيادي في تجمع المهنيين السودانيين، محمد الأسباط، أن القوى الفاعلة داخل الحرية والتغيير تخوض محادثات للاتفاق على معايير اختيار أعضاء المجلس التشريعي.

وتبحث تيارات مختلفة عن التوافق حول إعادة تعريف عضو البرلمان والدور المفترض أن يقوم به، والتقسيم النوعي للمقاعد ما يضمن حضورا مناسبا للشباب والنساء، وتوزيعا متوازنا يستوعب جميع المكونات الاجتماعية والدينية والسياسية.

وأضاف الأسباط، لـ”العرب”، أن هناك محاولات للخروج من دائرة المحاصصة الضيقة إلى التعامل بشكل أوسع لتمثيل المكونات السياسية والثورية بما يحافظ على عدم انفراط المرحلة الانتقالية، ووأد خطط ذهبت باتجاه تشكيل مجلس “خرطومي”، أي يحظى فيه المركز بمشاركة واسعة على حساب تيارات الهامش، وتجاهلت قوة لجان المقاومة التي تعبر عن القلب النابض للثورة.

والعديد من القوى متيقنة من أن لجان المقاومة لن تستسلم لرؤية بعض الأحزاب بشأن التعامل مع مؤسسات الحكم الجديدة، لأنها تعمل على ترجمة شعبيتها في الشارع إلى مكاسب للمشاركين فيها، وترى أن هناك فرصة مواتية من خلال المجلس التشريعي.

وشكلت لجان المقاومة تهديداً لقوى الحرية والتغيير، التي طغى عليها الجانب المحافظ في التعامل مع مشكلات المرحلة الانتقالية، وأضحت أسيرة مواءمات سياسية بفعل مشاركتها في السلطة، في حين أن التوجهات الثورية ظلت مسيطرة على لجان المقاومة، ونظمت تظاهرات عديدة ضد الحكومة، التي حاولت احتواء قادتها.

وأسهمت لجان المقاومة في تنظيم الحراك الاحتجاجي الذي قاد إلى عزل الرئيس السابق عمر البشير، وبعد أن نجحت في تحقيق هدفها انخرطت في العمل الاجتماعي والسياسي، ولعبت دورا مهما في التعامل مع مشكلات شح الخبز والوقود في بعض الولايات، وتمكنت من ضبط عمليات تهريب السلع عبر أشخاص محسوبين على نظام البشير.

وأضحت قوى الحرية والتغيير في مأزق بشأن التعامل مع اللجان، ولا تستطيع تجاوزها باعتبارها ظهيراً شعبياً قوياً يمكن الاعتماد عليه في التعامل مع التنظيمات المعادية للثورة، ولن تسمح بأن يكون ذلك على حساب حضورها في مؤسسات الحكم، لأن دخول الجبهة الثورية إلى المعادلة يخصم من رصيد قوى الحرية والتغيير.

وحذر سياسيون من استغلال لجان المقاومة لتحقيق مآرب قوى يسارية داخل التحالف الحكومي، باعتبارها الأقرب إلى رؤيتها مع توالي الحديث عن اقتراب الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين من هذه اللجان، وتوظيف قدرتها للضغط على الحكومة.

وتواجه تلك التحركات اعتراضات من مكونات أخرى مقابلة ترى ضرورة أن تكون لجان المقاومة رمزاً للشارع، وبعيدة عن التجاذبات السياسية.

وطالب حزب الأمة القومي بإعادة هيكلة التحالف الحكومي بما يتماشى مع تطورات المرحلة الانتقالية وما يضمن تمثيلا أوسع للقوى الفاعلة في الشارع.

وعلمت “العرب” أن فرص تنظيم احتجاجات وتظاهرات في الشارع خلال الأيام المقبلة تقودها لجان المقاومة باتت كبيرة، حيث تحظى بتأييد عناصر من قبل غاضبين من سياسات الحكومة والطريقة الراهنة لتشكيل المجلس التشريعي، ما يشكل تهديداً حقيقياً للمرحلة الانتقالية، مع اتساع الهوة بين الحكومة الانتقالية وظهيرها السياسي.

وأشار محمد الأسباط إلى مشكلة أخرى قد تواجه المكون المدني في خضم سعيه لاستيعاب المقاومة، وهي أن اللجان التي تنقسم إلى تنسيقيات ضربتها خلافات على غرار تحالف قوى الحرية والتغيير، والكلمة العليا داخلها أصبحت لتنسيقيات الخرطوم، على حساب ولايات الهامش.

وانعكس تباين الأحزاب المدنية على القرار السياسي داخل لجان المقاومة، لأنها تضم تيارات متشعبة، وظهر ذلك من خلال تباعد وجهات نظر مكونات اللجان بشأن احتجاجات دعت إليها، وشهدت مشاركة كثيفة في مناطق، مقابل خفوت في مناطق أخرى.

ويتوقع البعض من المراقبين أن تشهد لجان المقاومة مزيداً من الانقسامات إذا رهنت قرارها السياسي لقوى حزبية، لأن حضورها الحالي في ولايات الهامش سيكون مهدداً من جانب قادة الحركات المسلحة إثر عودتهم إلى قواعدهم، ورغبتهم في أن تكون لهم الكلمة الأخيرة في الشارع، بالتوافق مع أصحاب المصلحة في تلك المناطق.

وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، أبوالقاسم إبراهيم آدم، إن المشكلة الحقيقية التي ستواجه قوى الثورة ترتبط بنظرة بعض القوى التي وصلت بالفعل إلى السلطة لدور لجان المقاومة، حيث تؤمن بأنها استنفدت أغراضها كأداة لتنظيم التظاهرات وتحريك الشارع، بينما الفترة المقبلة بحاجة إلى الهدوء.

وأوضح لـ“العرب” أن لجان المقاومة تدرك ذلك جيداً ولديها رغبة في أن يكون لها تمثيل واسع داخل المجلس التشريعي يؤسس لوضعية قانونية تضمن البقاء في المستقبل، في ظل وجودها الحالي دون صفة رسمية، ما يجبرها على البحث عن حضور مستقل لها بعيداً عن تمثيلها داخل الأحزاب المنضوية تحت لواء قوى الحرية والتغيير.

وتعمل لجان المقاومة وفق ميثاق ينظم عملها، ومن شروط الانتساب إليها أن يتمتع الشخص بسيرة ذاتية طيبة، ولم يرتبط سياسيا بالنظام السابق، وليس متهما بجريمة تمس الشرف والأمانة، وهي الصيغة التي مكنتها من الحصول على شعبية واسعة.

وتبدو اللجان أنها المقابل العملي للجان الشعبية التي أوجدها نظام البشير وتراجع دورها بعد سقوطه، وحلت محل بعضها منظمات تابعة للمجتمع المدني، وحصلت على تمويلات خارجية، من قطر وتركيا تحديدا، لتقوم بأدوار خدمية، في وقت ضيقت فيه الحكومة الخناق على تلك التمويلات وأغلقت بعضها.

فرص تنظيم احتجاجات الأيام المقبلة تقودها لجان المقاومة باتت كبيرة، حيث تحظى بتأييد الغاضبين من سياسات الحكومة

التعليقات مغلقة.