الفاضي يهمّز أمه !

زهير السراج
* لا أدري السر في العطلة الغريبة التي فرضتها الحكومة على الشعب أو (فُرضت عليها وأرغمت على إعلانها) بدعوى استقبال قادة الجبهة الثورية وعودتهم إلى البلاد وكأنهم فازوا بجائزة نوبل للسلام، أو حققوا إنجازا لم يتحقق من قبل بالتوقيع على اتفاق جوبا العبثي الذي لن يحقق السلام للأسباب المعروفة للجميع بأن الجبهة الثورية لا تمثل إلا نفسها والأشخاص الذين ينتمون إليها، وليس لها أي وزن شعبي في المناطق التي تدعى تمثيلها، وليس لها حتى قوة عسكرية أو سيطرة ميدانية في أي مكان، وإنما مجموعة قوات مبعثرة هنا وهناك داخل وخارج السودان ــ وليس هذا بالأمر المهم فليس بالضرورة أن يكون للشخص الذي يعاني من التهميش قوة مسلحة حتى يجد العدل والانصاف والاهتمام، ولكن هذا للأسف ما اعتدنا عليه من الأنظمة السودانية التي لا تهتم بأحد إلا إذا رفع في وجهها السلاح !
* غير أن الجبهة الثورية لا تتمتع بأي نوع من الميزات يرغم الحكومة على الهرولة إليها، فليس لها قوة عسكرية تذكر، وليس لها وزن وتأييد شعبي ولا تمثل الا نفسها فقط وبضعة أشخاص ادعوا تمثيل بعض المناطق مثل الشمال والوسط والشرق، لم يفوضهم أحد ولا يؤيدهم أحد، وإنما هي مؤامرة و تمثيلية سخيفة ومكشوفة لتكبير كوم العسكر في السلطة بإدخال عناصر تزعم تمثيل بعض المناطق بدون تفويض شعبي مثل من يزعمون تمثيل الشمال والوسط، ولا أدري ما هي علاقة الشمال والوسط بمفاوضات السلام، ولو كان الأمر يتعلق بالتهميش فكل شعب السودان ظل يعانى من تهميش الأنظمة والحكومات!
* إذا وجدنا العذر للحكومة أو (بالأحرى للذين اغتصبوا وفد المفاوضات من الحكومة الضعيفة) والتفاوض باسمها مع بعض المسلحين باعتبار أن لديهم قضية، فما هو عذر الذين اطلقوا على أنفسهم تيار الوسط وتيار الشمال سوى التسلق إلى السلطة بمؤامرة من العسكر لتدعيم موقفهم، وهو ما فضحته الاتفاقية التي سمحت لهم بالسيطرة على المجلس السيادي والمجلس التشريعي، وتدعيم موقفهم في مجلس الوزراء مع ما تعانيه الحكومة من موت سريري وتشرذم قوى الحرية والتغيير التي تحتضر الآن بالانسحاب الخاطئ للحزب الشيوعي الذي سيعطى الفرصة للانتهازيين لإحكام قبضتهم وتنفيذ مخططاتهم بشكل اوسع، خاصة مع دخول الجبهة الثورية إلى مؤسسات السلطة الانتقالية وتكوين حاضنة سياسية جديدة تعرف بشركاء السلطة الانتقالية، وهو الخطأ الثاني الذي يرتكبه الحزب الشيوعي بعد قراره الأول بالانسحاب من المفاوضات والحكومة في العام الماضي مما أضعف الحكومة وأعطى الفرصة للعناصر الرخوة ومطاريد الحزب للسيطرة عليها وتحقيق أهدافهم !
* لولا الخطأ الأول الذي ارتكبه الحزب لما وصل به الحال لارتكاب الخطأ الثاني وإعطاء العسكر وحلفائهم الجدد مجالا أوسع للحركة بحرية وفعل ما يريدون، وهو ما عبر عنه بفرحة عارمة أحد عناصر الجبهة الثورية قائلا لصحيفتنا (بأن خروج الحزب الشيوعي من قحت أفضل من وجوده) وهو محق في ذلك، فمن الذي سيقف بعد اليوم أمام تحقيق أهدافهم ورغباتهم الذاتية الضيقة؟!
* فضلا عن عبثية الاتفاق الذي لن يحقق السلام لكي تحتفى به الحكومة وتعلن يوم الأحد القادم (عطلة رسمية) لاستقبال قادة الجبهة الثورية، فلقد سبق للحكومة الاحتفال بالاتفاق وإهدار الوقت وموارد الدولة والانفاق على سفر الوفود مرتين إلى جوبا لم يكن فيها من يستحق السفر إلا قلة، كما أن معظم قادة الجبهة الثورية الذين تزعم الحكومة عودتهم الى الخرطوم يقيمون أصلا في أفخم الفنادق في الخرطوم على حساب الدولة منذ ما قبل توقيع اتفاق جوبا، فما الداعي لإهدار المزيد من الوقت والموارد وتعطيل مصالح المواطنين بالإعلان المفاجئ لهذه العطلة الغريبة التي ليس لها وصف سوى العبث وقلة الشغلة، في وقت تحتاج فيه الدولة إلى كل دقيقة ومليم أحمر للتغلب على الأزمات والصعوبات التي يعاني منها الشعب ؟!
* أسمحوا لي باستخدام المثل الشعبي المعروف (الفاضي يهمّز أمه)، رغم ركاكته وانحداره، لوصف ما يحدث وهيافة الحكومة وعدم مسؤوليتها وانشغالها بسفاسف الامور، ولكنه جدير بها وهى جديرة به، فلقد وصل بها الحال بالفعل إلى قمة العبث والاسفاف والانحدار !
الجريدة
التعليقات مغلقة.