الحاج وراق يكتب: أرى ثعابين تزحف !
من الصعب تصور حدوث مثل هذا الترابط للأحداث كمحض مصادفة !
أصدر كرتي لأول مرة تسجيلاً صوتياً بصفته الرسمية كأمين عام مكلف للحركة الإسلامية يدعو فيه للخروج على الحكومة المدنية، ويحدد سبب ذلك فيما يخصها وحدها: رفع الدعم. دون أن يشير مجرد إشارة لما يخص المكون العسكري سواء إزهاق الأرواح في التظاهرات السلمية أو الانفلات الأمني في الولايات الذي أدى بدوره لإزهاق عشرات الأرواح، أو سيطرة شركات الأجهزة العسكرية الأمنية على السوق، أو لسوء الرقابة التي تؤدي إلى تهريب الذهب والاتجار بالعملة الصعبة والطباعة السائبة والمزورة للجنيه السوداني !
كما لم يشر مجرد إشارة إلى أن معالجات الحكومة المدنية اختلفنا أو اتفقنا معها إنما معالجات لخراب ثلاثة عقود من الفساد وسوء الإدارة والعزلة عن العالم المعاصر، أي نتيجة لكوارث حركة كرتي الاسلامية على البلاد !
ويدعو في تسجيله إلى تشكيل لجان للعطاء- وهي فى حقيقتها لجان غطاء – لتقديم التبرعات للفقراء، دعوة صحيحة لو أن مطلقها ذو مصداقية، لكن كرتي لا يجيب على سؤال: كيف أنه شخصياً ولوردات حركته الآخرين في ظل مسغبة غالبية السودانيين لهم من فضول الأموال التي ما اغتنوا بها إلا بما أجاع فقراء السودان؟!
وكرتي (الإسلامي جداً) الذي يكثر من السطو على الأحاديث النبوية ليصنع منها صورة مسلم ورع – ويعلم غالبية السودانيين ألا ورع لقلب يستسهل خوض الدماء أو فم اعتاد أكل السحت ولوك الإكاذيب – هذا الإسلاموي لا يتفوه بكلمة واحدة عن التطبيع مع إسرائيل، رغم أنه يتعلق بحكايتهم الكبرى ! والسبب واضح: في هذا ما يطال العسكريين ! مما يؤكد أن معبود الفاشست الحق ليس الإله تعالى وإنما من بيده الشوكة الأرضية !
والحكومة المدنية ليست فوق النقد، ضعفها وإخفاقاتها بائنة للعيان، لكن مما يحمد لها أن انتقادها غير مكلف فلا تترتب عليه أية عواقب !
كرتي إذن يدعو لإسقاط الحكومة المدنية، لكنه يداجي العسكريين، مما يؤكد أن إسلامويي كرتي وبعد كل ما جرى لا يزالون على استعدادهم السابق للعق حذاء كل متغلب صاحب شوكة!
بعد ثورة ديمقراطية مهرها الدم والدموع لثلاثة عقود، كنا متفائلين أن تياراً واسعاً وسط الإسلاميين سيستخلص الدرس الأهم: أن الاستبداد إلى زوال مهما طال به المقام، والحركات التي تقف جانب التاريخ الصحيح لا يمكن أن تغرس راية وجودها في مستنقع رمال متحركة فيبتلعها. لكن لا يزال غالبية الإسلاميين لا يفهمون من سقوط استبدادهم إلا ما يسموه (فتح قوش للمتظاهرين) – آلية للإنكار والمكابرة لا يقبل بها الا عقل ملتاث ، والا فما الذي أتى أصلا بقوش المتهم بالانقلاب لقيادة جهاز الأمن مرة أخرى ؟!
وأي نظام هذا الذي يسقط بقرار شخص واحد ؟! وإذا كان قوش بطل الانتفاضة فلم لم يستطع حصد ثمار غرسه ؟! وأي نظام في تاريخ السودان انتفض الشعب ضده فلم تجد الانتفاضة صداها في القوات المسلحة؟!
الواضح أن هؤلاء يصدق عليهم المثل بأن ماعون القطران لا ينظف أبدا.
ولمزيد من ربط الأحداث يجدر التذكير بأن المرحومة نجوى قدح الدم، التي تولت الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي، تم تعيينها في وزارة الخارجية عندما كان علي كرتي وزيراً للخارجية، ثم استمرت بعد الثورة مستشاراً للفريق أول البرهان ونسقت له لقاء عنتيبي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
وصدرت عدة أوامر قبض بحق علي كرتي بعد الثورة لكن النيابة أكدت أنه مختف تحت حماية جهة لم تسمها !!
وعقب تسجيل كرتي، ذي التوقيت المريب، خرج الفريق الكباشي في لقاء صحفي، ليستخدم لغة غير لائقة تجاه رئيس الوزراء د.حمدوك الذي يمكن أن تنتقده عن كل شيء إلا عن تهذيبه وعفة لسانه، يقول الكباشي إن رئيس الوزراء (خارج عن مؤسسات الدولة) (حمدوك مشى براه وفصل الدين عن الدولة) (عطاء من لا يملك لمن لا يستحق) و(يسأل رئيس الوزراء عن عجزه) ! وللفريق الكباشي أن يرفض مواقف وسياسات حمدوك، فهذا طبيعي، لكن بلغة تليق بتخاطب مسؤولي دولة في ذات السلطة الانتقالية، وكباشي يعرف كيفية ذلك، حيث التزم به حين سألوه عن لقاء البرهان بنتنياهو، فاعتذر لرئيسه بأن البرهان لم يتفق وإنما عرض نتائج لقائه على المؤسسات ! في حين ان اللقاء في حد ذاته ولطابعه الجذري كان يحتاج لقرار مؤسسات. كما أن نتائج اللقاء لم تجزها أي مؤسسة رسمية ومع ذلك دخلت حيز النفاذ، كما يؤكد عبور الطائرات فوق الأجواء السودانية !! إذن فعين الرضا عن لقاء برهان كليلة وعين السخط تبدي الألفاظ غير اللائقة.
وعلى أساس هذه الوقائع التي أرى أنها مترابطة يمكن استنتاج تفكير المتآمرين: هناك فترة انتقالية في الولايات المتحدة الأمريكية حتى منتصف يناير تشكل فرصة يجب اغتنامها ! وعلى ذلك يصمم السيناريو الذى يمكن تخيله !
تحضر لافتة مناسبة للانقلاب على السلطة الانتقالية، والأفضل أن تظهر بمظهر الجذرية – جذرية تحقيق مطالب الثورة، فتتجمع تحتها بعض الأحزاب والمنظمات الصغيرة لتتغطى خلفها القوة الحقيقية – كوادر وقواعد أجهزة كرتي !
وفي ذكرى اندلاع ثورة ديسمبر تخرج تظاهرات الثورة المضادة بشعارات الثورة !
والمطلب الرئيس إزاحة حمدوك والحكومة المدنية. فإذا تحقق المطلوب يمكن تطوير المطالب لإزاحة بعض المتورطين في المرحلة الأولى من المؤامرة !!
لن تنجح المؤامرة.. أقصى ما يمكن أن تحققه قتال في شوارع الخرطوم !!
بعد ضياع أكثر من ثلثي سنين ما بعد الاستقلال في متاهات الاستبداد والآلام العظيمة أفضل لنا جميعا أن نتيقن بألا بديل عن الديمقراطية.
التعليقات مغلقة.