حدس ما حدس !!
د .ناهد قرناص
أهلنا قديما قالوا (المتغطي بالزمن عريان).. إذ أن الحقيقة تستبين ولو بعد حين. والمستور الذي اجتهد البعض في إخفائه يظهر ولو بعد مدة من الزمن.. والمدفون في أعماق الأرض تنبشه الرياح ولو بعد سنين.. عندما رفعوا شعار (حدس ما حدس) ليلخصوا كل الجرائم التي جرت في تلك الليلة الغريبة.. الليلة التي تجسد فيها غدر الإنسان بأخيه الأنسان.. الليلة التي حدثت فيها فظائع افعال تقشعر لها الأبدان.. موت وسحل واغتصاب.. عندما رفعوا ذلك الشعار ليغلقوا ملف تلك الليلة الظلماء.. لم يكن في حسابهم ان الزمن دوار.
.. ها هي الأخبار تحمل لنا نبأ اكتشاف مقبرة جماعية بالعاصمة القومية.. جثث دفنت على عجل.. حتى أن إحدى الفتيات كانت بكامل ملابسها فقط اهيل عليها التراب.. كل الذين كانوا ينكرون القصص التي تم تداولها عن القتل بالجملة والحرق داخل الخيام.. والاغتصاب الذي حدث في اعتصام القيادة.. هاهو الزمن يأتي لهم بالدليل القاطع.. عدد كبير من الجثث في مقبرة جماعية بالخرطوم تعثر عليها لجان التحقيق في جريمة فض الاعتصام.. والمنظر لفظاعته حجبت صوره من العامة .
مجرد سماع أخبار مثل هذه تثير مشاعر الغضب والألم والحسرة.. فما بالك باهالي المفقودين ؟ الذين انقطع عندهم الامل بحياة ابناءهم وساد بدلا عنها مشاعر الغبن والغضب للطريقة المهينة التي ماتوا بها والتي تم دفنهم بها ؟.. تخيل احساس الامهات والاباء الذين قضوا الليالي والايام بحثا عن الاولاد والبنات المفقودين.. كل يوم تجدهم يتابعون اي اثر عن فلذات اكبادهم.. حكاياتهم في الاسافير تقطع القلب.. وهم يناشدون كل من شاهد شخصا بالاوصاف الاتية.. مفقود منذ ليلة فض الاعتصام.. فليدلنا عليه.. هؤلاء القتلة هل كانوا يضحكون من هكذا اعلانات ؟ ماهي المشاعر التي كانت تتحرك لديهم وهم يشاهدون اهل المفقودين وهم ينقبون ويسألون ولا يألون جهدا في البحث ؟ كيف ينام هؤلاء ؟ كيف تغمض اجفانهم ليلا وفي رقابهم كل تلك الارواح واياديهم ملطخة بكل تلك الدماء ؟ كيف ؟
يا قاتل الروح.. وين بتروح ؟
ستلاحقكم أشباح الموتى.. ستنغص عليكم كل عيش رغد.. وستؤرق ليلكم.. وتوحش نهاركم.. لن تستسيغوا الاكل.. وسيصبح طعم الماء الزلال مرا في أفواهكم.. ستمر عليكم لحظات تتمنون فيها اللحاق بضحاياكم حتى تجدوا الراحة.. ولكن هيهات.
(يا قاتل الروح وين بتروح)..
هاهي الأيام تكشف عن المقابر الجماعية وستتوالي الأدلة واحدا تلو الآخر.. ومهما طال الزمن سياتي ذلك اليوم الذي تلحقكم فيه يد العدالة…حينها لن تأخذنا بكم رأفة.. ولن نهدأ حتى ناتي بثأر الشهداء والمغدورين الذين استبحتم دماءهم دون حق.. الذين قتلتموهم دون ان يطرف لكم جفن.. .وطرحتم جثثهم في قاع النهر.. او دفنتموهم بليل كأنهم جيف حيوانات في مقابرمجهولة..
(يا قاتل الروح وين بتروح ).. سيكتب عنكم التاريخ أسوأمقالاته.. فقد كانت لديكم الفرصة لتخلدوا بذكرى حسنة ولكنكم بمحض ارادتكم.. اخترتم الدرك الأسفل من الجحيم.. اخترتم أسفل سافلين.. هاهي الايام تدور.. وتكشف المستور.. وقريبا يسدل الستار على التحقيق.. .وتقدمون للمحاكمة ويتم القصاص.. وتشفى صدور قوم مؤمنين.
الجريدة
التعليقات مغلقة.