الخرطوم عاصمة المقابر الجماعية

148
حيدر المكاشفي
يبدو أن أعداد المقابر الجماعية مرشحة للزيادة باستمرار، دعك من المقابر الفردية التي دفن فيها بعض من اغتالهم النظام البائد، فما إن تعلن السلطات اكتشاف مقبرة جماعية، إلا ويتردد حديث جديد عن مقبرة جماعية أخرى لم يعلن عنها ولم تكتشف بعد، فتاريخ النظام البائد القمعي ووحشيته الدموية مليء بمثل هذه الشواهد، وهو دليل على أن أسهل الطرق التي كان يستخدمها النظام للبقاء في الحكم هي التخلص من الخصوم بقتلهم خارج القانون وبلا محاكمات ودفنهم بليل جماعات وفرادى، هكذا كان النظام المباد يستسهل قتل الخصوم والمعارضين بلا ذرة من إنسانية ولا أخلاق ولا دين ودون إعلان ولا تحديد أين دفنوا، ولكن بعد الثورة وإزاحة النظام الفاشي الديكتاتوري بدأت تتكشف الكثير من المآسي المفجعة، ويتم اكتشاف بعض المقابر الجماعية بين الحين والآخر، وبدأ الأمر بإعلان السلطات اكتشافها للمقبرة الجماعية التي ضمت رفات ثمانية وعشرين ضابطا من خيرة ضباط الجيش، تم إعدامهم بصورة وحشية بتهمة محاولة تنفيذ انقلاب فيما عرف بحركة ضباط رمضان ومجموعة الخلاص الوطني قبل نحو ثلاثين عاما، ثم تلا ذلك إعلان السلطات اكتشافها لمقبرة جماعية حوت بداخلها رفات العشرات من المجندين من الطلاب فيما عرف حينها بالخدمة الإلزامية الذين قتلوا أثناء محاولتهم الفرار من معسكر تدريب للجيش في ضاحية العيلفون جنوب شرقي الخرطوم عام 1998 لرفضهم الذهاب للحرب في جنوب السودان ولمنعهم من قضاء عطلة عيد الأضحى مع عائلاتهم..
واستمرت كشوفات المقابر الجماعية لتعلن السلطات الأسبوع الماضي، أنها عثرت على مقابر جماعية رجحت احتواءها جثامين لمفقودين تم قتلهم خلال وبعد عملية فض الاعتصام القذرة، ولكن بمجرد إذاعة ونشر هذا الخبر، أعلنت مجموعة ما يسمى (أنصار هيئة العمليات) وهي الهيئة القتالية التي كانت تتبع لجهاز الأمن سابقا (تم حلها وتفكيكها)، أن هذه المقبرة ليست كما اعلن تخص ضحايا من فض الاعتصام، وإنما هي لأفراد من هيئة العمليات سقطوا خلال المواجهات المسلحة مع حركة العدل والمساواة بقيادة خليل إبراهيم عند غزوها أم درمان في العام 2008، غير أن جهاز المخابرات العامة تصدى سريعا لمزاعم (أنصار هيئة العمليات)، ونفى أن تكون المقبرة المعنية تخص أفراد من جهاز الأمن، وعلى كل حال وأيا تكن هوية هذه المقبرة المكتشفة مؤخرا، سواء أكانت تتبع لهؤلاء أو اولئك، تبقى الحقيقة أن مغامرة حركة العدل والمساواة (الذراع الطويل)، قد خلفت ضحايا من الطرفين من القوات الحكومية التي قاتلتها، ومن طرف مجندي العدل والمساواة، وتقول بعض المعلومات إن قتلى حركة العدل والمساواة في تلك المغامرة بلغ 450 قتيلا دفنوا فى مقبرة جماعية واحدة، وبالضرورة يكون الضحايا من القوات الحكومية قد دفنوا أيضا في مقبرة جماعية، وبهذا تتعدد وتتنوع المقابر الجماعية التي لم يعرف بعد عددها بالكامل، ولكن المؤكد أن الخرطوم استحقت ان يطلق عليها عاصمة المقابر الجماعية..
الجريدة

التعليقات مغلقة.