محاولة العودة (بالدرب التحت)

117

حاتم الياس

سَنوات الإنقاذ ومَظالمها هي من وضعتنا أمام هذه التداعياتِ السياسية فقد كانت سلطة أدعت زوراً أنها تمثل الوسط والشمال النيلي، وحتى في المُعتقلات كان الأسوأ من عُنفِ الإعتقال وتكميم الأفواه هي زيادة جُرعة العنف التمييزي ضد المعتقلين من أبناء دارفور ومعاملة الشِماليين كأنهم من أوليّ القربى المُغاضبين (ليس في كل الأحوال بالطبع) فالإعتقال وتقييد الحرية لايمكن ان يحمل أي ميزة تخفف آثاره بالطبع .

لذا إعتقاد أنصار النظام السابق من أبناء الشمال بأن أصوات بعض العنصريين من دارفور يمكن أن يمهد لتحالف مناطقي بين الشماليين يعيد تقديمهم من جديد للمشهد ونتغاضى عن سنواتٍ طويلةٍ وكئيبة هي التي أسست بجدارة لهذا المشهد وحولت الشمال نفسه من حالة وجود سكاني وإجتماعي (لمنجم كبير) وقنبلة بيئية كارثية تهدد سكانه والأجيال القادمة ، كل ذلك حِيلة لن تنطلي علينا نحن أبناء الشمال ومحاولة فاشلة لإبتكار نسيان زائف .

في زيارتنا لأسر الشهداء مع لجان المحامين لاحظت أن هناك عدداً كبيراً منهم من أبناء أسرٍ لها أوضاع مادية مريحة وبعضهم يسكن في أرقى أحياء الخرطوم في المناطق التي لاتسكنها إلا الطبقات الميسورة الحال ، فلم يُكن الشهيد عبدالسلام كشة من نازحي معسكر كلمة ولا أعتقد أنه شاهد معسكر أبوشوك ولا جده كشة الكبير قادم من أطراف أُم كدادة ، يقع منزلهم على بعد خطوات من شارع المك نمر حيث ولد هو وولد والده وجده في قلب الخرطوم العاصمة الحديثة ومع ذلك لم يجعله ذلك يتراجع في أن يقدم دمه وروحه لقضية التغيير والحرية والسلام والعدالة وكل الشهداء تقريباً كانوا كأنهم حالة من الإختيار إنتخبتها الأقدار بشروط خاصة ليدونوا بدمائهم خارطة مستقبل شعوب السودان .
سيظل رهاننا مبدئياً على سودان حر ديمقراطي تقدمي مهما سَدت عبارات العنصريين من دارفور أو من الشمال من الشرق أو الجنوب ومن كل مكان الأفق وزَكمت الأنوف بعباراتها المسمومة ، ونهاية قولنا أننا مازلنا في قلب الثورة والتغيير ولن يستطيع أحد الترويج للردة عليها وعلى مبادئها والدخول بثوب العنصرية والمناطقية والأعراق .

ولكن للعبور من كل ذلك نحتاج لنخب سياسية ذكية ذلك أن الغباء في التفكير والممارسة يبدو أنه أصبح كأنه ميراث سياسي إنتقل إلينا بكل متاعهِ (وعفشها) من الإنقاذ وأناخ بيننا راحلته وأول مايمكن أن ندركه لمعالجة هذا الأمر هو أن نحترم الواقع ونتعامل مع القوى السياسية بحجمها وثقلها الحقيقي لا المُتخيل أو المرفوع فقط بعلوِ الصوت وجَلبة التواجد الوهمي في المشهد ، يعني الحاجة العاملة زي الشريط الإعلاني الأسمها (المسارات دي) دي حاجة الزول الإخترعها ماعندو أي حساسية سياسية وفيها (عملية إختطاف فاشلة ) للواقع الجماهيري التمثيلي الحقيقي ، أعتقد دي أول حاجة يجب مراجعتها والتدقيق في مَدى جدواها واقعيتها .

التعليقات مغلقة.