مُصابو الثورة.. مَنْ يُضَمِّد جِراحهم؟

117

الخرطوم – اليسع أحمد

“عُمري عبد العزيز” شاب ثلاثيني أصيب في الثالث من يونيو بالقيادة العامة لحظة فض الاعتصام، يقول عمري لـ (السوداني) إنه كان ضمن حُماة ترس المزاد غرب مُستشفى المُعلِّم، وسمع بعد صلاة الفجر صوت دوي رصّاص كثيف قادم نحوهم الأمر الذي جعله يعتلي قِمَّة (الترس) يُلوِّح بعلم السودان ويُحرِّض إخوته على الثبات ويُمنِّي نفسه بالشهادة واللحاق برفاقه (هَزَّاع، كِشَّة وعظمة) وتابع، بأنّه بعد دقائق معدودات تكاثف تساقط الرصاص كالمطر بكل الاتجاهات وعمّ الدُّخان جميع الساحات ماجعل المعتصمين بين الفرار وملاحقة العسكر، أو الصمود ومقابلة الموت.

ونوَّه “عمري” الى أنه ظلّ يُلوِّح بالعَلَم حتى أصيب بطلقتين في رجليه الاثنتين أعلى الفخذ ليسقط بعدها في غيبوبة، ليجد نفسه في مُستشفى المُعَلِّم الذي حوَّله لمستشفى رويال كير بضاحية بُري.

عمليتان وتقرير طبي
(المصائب يَجْمَعْنَ المصابينا..)، بحذافيره انطبق قول أمير الشعراء “أحمد شوقي”؛ على “عُمري” الذي وجد معه بالإسعاف أحد المصابين بأعيرة نارية يُدعى (علاء الدين) لقيّ حتفه جراء عدم سماح قوات فض الاعتصام لعربة الإسعاف وترديدهم عبارات (مسعفنهم ليه خليهم يَموتوا)، وكشف إجراء عمليتين في رويال كير وقبوعه بها لمدة أسبوع ليخرج بعدها لبيته مع إعطائه تقريرا طبيا عن تهتك عصب الفخذين ومنعه من الحركة لمدة شهرين، مشيراً إلى أنه ظل طريح الفراش لعدة أشهر وأصيب بشلل نصفي وعدم ثبات رجليه على الأرض.

تهميش حكومي
ويشكو عدد من مصابي ثورة ديسمبر المجيدة بأسى وأسف شديدين عن تهميش الحكومة لشريحة المصابين وتتعامل معهم كضحايا، وأكدوا في حديثهم لـ(السوداني) انهم أبطال وليسوا ضحايا وبفضلهم ونضالهم جلس من يهمشهم الآن على كرسي السلطة، منوِّهين إلى أنهم غير راضين عن الثورة نسبة لتشبث القادة الجدد بمناصبهم وتناسي الجرحى منذ اندلاع الثورة التي قاربت العامين، وأشاروا إلى أن الحكومة لم تقُمْ بأي دور في مساعدتهم وأن المصابين الذين طرقوا كل أبوابها بداية من الوزارات وصولاً لمجلسي السيادة والوزراء، واتفقوا بالقول أن الحكومة خيّبت آمالهم وتَنَكُّر من استوزر لهم، كاشفين عن واقع مرير وأليم يعيشه آلاف المصابين مع أسرهم منهم من تمّ طرده من أسرته بعد تعذّر علاجه ونعته بمشاركته في الثورة، وبعضهم حاول الانتحار بسبب العجز، وآخرون طلّقوا زوجاتهم بعد أن أصبحوا عالة على أبنائهم وزوجاتهم وبيع منازلهم من أجل العلاج، وناشدوا منظمات المجتمع المدني بالتدخل العاجل لإنقاذ شريحة المصابين وتضميد جراحهم الغائرة بعدما فشلت محاولاتهم مع الجهات الحكومية.

إحصائية مُخيفة!!
الناطق الرسمي باسم مُنظمة جرحى ومصابي ثورة ديسمبر عبدالمنعم حاتم كشف لـ (السوداني) عن مآسي وظروف صحية بالغة التعقيد يَمُر بها مُصابون ثورة ديسمبر المجيدة منهم مصابون بالشلل ومقعدون، وفاقدي ذاكرة وكسور، مهشمو جماجم، وأكد أن أعداد وإحصائيات المصابين منذ اندلاع الثورة في ديسمبر (2018) وحتى سقوط النظام وفض الاعتصام والمظاهرات التصحيحية حتى يومنا هذا بالعاصمة والولايات وصل (2700) مُصاب..

وأكد حاتم تقاعس حكومة الثورة عن أبطالها الذين دفعوا دماءهم مهراً وكانوا في خندق واحد مع إخوانهم الشهداء من أجل رفعة الوطن، مما أسفر عن عدم انتظام عدد كبير منهم في العلاج نسبة لانعدام الميزانيات اللازمة، ونوه إلى أن عددا كبيرا منهم في حالات حرجة يحتاجون لملايين الجنيهات لإجراء العمليات المستعجلة، مبيناً أن عدد المصابين الذين تم حصرهم ضمن كشوفات المنظمة يبلغ (300) مُصاب فقط من ضمن العدد الكلي (2700) مصاب نسبةً لعدم وجود الدعم الكافي لمتابعتهم بكل الولايات وحضورهم للعاصمة، وقال إن المنظمة أجرت عمليات تصل إلى (30) عملية فقط لمصابين إصابات متفرقة منها كسور في العظام وترقيع لـ (الجماجم) التي هشمها رصاص العسكر، وأشاد حاتم بالأيام الخالدة التي سطّرها الشعب السوداني منهم من استشهد بكل ثبات وقوة، ومنهم من أصيب بالقرب من الشهيد ومنهم من عاد إلى منزله سالما غانماً بإزاحة نظام الظلم.

رحلة علاج
ويعود “عُمري عبد العزيز” ليمضي في ذات طريق رفاقه المتحدِّثين من مصابي الثورة، شاكياً لـ(السوداني) من اهمال حكومة الثورة للمصابين لدرجة انها لا تعرف عنهم شيئاً، وقال: (البركة في مبادرة حاضرين) كان لها القدح المعلى في علاج مصابي الثورة وهي التي تكفلت بعلاجه في المرحلة الأولى بمستشفى رويال كير، وأوضح أن المبادرة أسهمت بعلاج المصابين بعدة مستشفيات منها (فضيل، الزيتونة، الساحة، رويال كير، الفيصل وغيرها)، وكشف عن محدودية دخل المبادرة التي قد تعجز أحيانا عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه جميع المصابين، الأمر الذي عانى منه الكثيرون وهو أولهم ليصرف على نفسه دون تدخل من أي جهة.

ميزانية بـ (الشيرنق)!!
ونوَّه الناطق الرسمي باسم مُنظمة جرحى ومصابي ثورة ديسمبر عبدالمنعم حاتم، إلى العجز التام الذي ظل يواجه الثوار المصابين، هذا مقابل زيادة خيالية في فواتير العلاج للجرحى والمصابين، وناشد الحكومة باستكمال علاج المصابين، وقال إن تكلفة العلاج والسكن والترحيل والأدوية والمنصرفات الأخرى ليس بمقدور المنظمة توفيرها بالرغم من التزمها بعمل المتاح وفق حدود إمكاناتها الضعيفة تجاههم، وناشد الدولة ومنظمات المجتمع المدني بالوقوف معهم وأن لديهم عدداً من العمليات المستعجلة للمصابين بكل من العاصمة والولايات. ونوه إلى أن المنظمة في حاجة ماسة لمبنى يتوفر به عدد من الشقق لإيواء المصابين وأسرهم، مشيراً إلى أن نسبة كبيرة من المصابين بالولايات المختلفة يتلقون الآن العلاج بالعاصمة مما يلزم المنظمة بتوفير سكن لكل أسرة في الشقق والفنادق المجاورة للمستشفيات، ووصف مبالغ إيجار الشقق والفنادق بالمرهقة مقارنةً بضعف ميزانية المنظمة التي يتم توفيرها بـ (الشيرنق) وليست من جهة حكومية، كما طالب بعربة تستخدم في إسعاف وترحيل مرضى الولايات من وإلى العاصمة إضافة للدعم المادي والعيني لتلك الأسر في شكل مبالغ مالية ومواد تموينية للمصابين بالشقق والفنادق، مؤكداً أن المنظمة عليها ديون بعدد من المستشفيات في انتظار من يقوم بسدادها.

وزارة الصحة لا تعلم!!
مدير عام وزارة الصحة الاتحادية د. الفاتح عثمان أوضح لـ (السوداني) أن وزارة الصحة أمسكت بزمام الأمور بعد وقوع الكثير من التضحيات والإصابات وليس لديها سجلات وإحصائيات دقيقة منذ اندلاع الثورة، وقال عثمان إن شباب اللّجنة المركزية لديهم إحصاءات أفضل من الوزارة.

السوداني

التعليقات مغلقة.