خلي.. العيش حرام

157

د ناهد قرناص

بدأت منذ وقت قريب اعتقد اعتقاداً خفياً أن شعراء الحقيبة كانوا مسافرين عبر الزمن.. يتحركون جيئة وذهابا ومن ثم تجود قريحتهم بكلمات تصلح أبياتها لأزمان غير زمانهم..  فعندما أقرأ البيت المذكور في العنوان أعلاه (خلي العيش حرام.. ما دام أرى الموت يحل).. أستميحكم عذرا ًصدقاء الكلمة.. ذلك ان تفكيري لا يتجاوز غير الرغيف.. نعم الرغيف الواحد دا.. والذي صار تناوله نادراً والبحث عنه والوقوف في سبيل نيل عدد بسيط من الأرغفة يأخذ الثمين من الأوقات.

أما الموت فقد حل في الصفوف..  وكثرت المشاكل وازدادت الضغائن.. فالأمر وصل الى حد التهديد بالقتل بين الجيران الذين كانوا حتى وقت قريب يقتسمون (اللقمة).. والموضوع كان يمكن ان يكون محتملاً.. لو كان هذا الرغيف الذي نتقاتل من أجله رغيف (بحق وحقيقي).. حاجة كدا زي رغيف زمان الذي كان حجمه كبيراً لدرجة تقسمه الأمهات نصفين لساندوتشات المدرسة.. (نص فول ونص طحنية)..بل كان الساندوتش أصلاً عبارة عن نص رغيف.. وكان الرغيف يتكون من القمح الأصلي.. لم يداخله أي طحين آخر.. لذلك نتساءل ببراءة ما هو الشيء الذي نتناوله هذه الأيام يا ناس المواصفات والمقاييس ؟ اعتقد نستحق ان (تعرفونا) بالوافد الجديد لحياتنا.. (مش كدا وللا شنو ؟).

الشيء الموجود حالياً بالأفران والذي يطلق عليه مجازاً اسم رغيف.. شيء مستدير لونه رمادي حجمه صغير.. يملأ الكف او يقل قليلاً.. له مدة صلاحية للأكل لا تتجاوز الساعتين بعد إخراجه من الفرن.. وذلك انه بعد ان يفقد الحرارة يصير شيئاً لا يصلح للاستخدام الآدمي.. وطبعاً لا يمكن بأي حال من الأحوال ان تأمل في بقائه لليوم التالي لأنه يصبح (بقسماط على طول).. يعني ببساطة الشيء الموجود عندنا رغيف (disposable) ولو لم تتناوله في ذات اللحظة.. فاستعوض قروشك وما عند الله خير وأبقى.

المصيبة أن هذا الشيء.. و الذي نتقاتل حوله.. وتمتد الصفوف من أجله.. صف عادي.. صف بطاقات.. صف نسائي.. و صف رجال.. كل يوم يصدر تصريحاً ينظم حركة انسياب الدقيق الى الأفران.. وكل يوم نقرأ ان هناك كميات من القمح في طريقها للبلاد.. وفي النهاية نستلم شيء لا يمت للقمح بأي صلة.. فلا هو كسرة.. ولا هو قراصة ولا هو رغيف عديل.. شيء مستحدث يستحق ان يدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية والاشياء الغريبة.

(وديتو الرغيف الأصلي سيد الاسم وين يا جماعة؟؟ )..الله غالب.. لا يحز في نفسي شيء الا انشغالي بأمور الدنيا من رغيف وجاز وبنزين وغاز حتى وصل بي الأمر انه عندما تطرق أذني اغنية مثل (خلي العيش حرام )..  لا يذهب تفكيري الا الى الرغيف العجيب وتبعاته.. فلله الأمر من قبل ومن بعد.. لكن حتى لا يصير المقال سوداوياً أكثر.. اليكم مقتطفات من بديع ما جادت به عيون حقيبة الفن:

خلي العيش حرام

ما دام أرى الموت يحل

ما بين الرميش فوق للطريف الكحيل

النوم مني فر وقلبي ناوي الرحيل

من غير المنام طيف الخيال مستحيل

والاني اشتياقي وقلبي اصبح وجيل

تتملك محاسنك روحي جيل بعد جيل

الجريدة

 

التعليقات مغلقة.