البرنااااامج…البرنااااامج

168
حيدر المكاشفي
في الأخبار أن المعنيين في قوى الحرية والتغيير وأطراف عملية السلام بالجبهة الثورية بتقديم ترشيحات لشاغلي المناصب الدستورية وفقا لحصة كل منهما، عاكفين هذه الأيام لإنجاز هذه المهمة باختيار الشخصيات التي تتوافق عليها كل جهة لشغل المنصب المعين في الوزارة الجديدة المزمع إعلانها قريبا، ولكن للأسف لم يرشح من الجانبين ما يفيد بعكوفهما على التوافق على برنامج محدد لتضطلع بتنفيذه الحكومة المرتقبة، رغم أن أكثر ما أضر بالحكومة القائمة حاليا وأدخلها في حالة من الارتباك والاضطراب كان هو تقاطع واختلاف رؤى مكونات الحاضنة السياسية التي كانت تحتضن هي نفسها عددا كبيرا من ذوي التوجهات والاتجاهات السياسية والفكرية المختلفة، الأمر الذي جعل الحكومة خالية الوفاض من سياسات وبرنامج (حد ادنى) متفق عليه في كل المجالات، ما أدى في المحصلة إلى إضعافها وتوهانها بل ومجابهتها لمعارضة قوية من بعض أطراف حاضنتها، ولهذا كان الأولى والأهم برأينا المتواضع أن تولي الأهمية القصوى للبرنامج المتفق عليه بأكثر من الاهتمام بالشخصيات.. وإذا ما أريد للتركيبة الحاكمة القادمة أن تحدث تغييرا كبيرا كما يقال، عليها مبدأ ان تتعظ من كل الإخفاقات التي وقعت فيها الحكومة السابقة، وأول وأهم هذه العظات هو بلا شك تقاطع وتناقض الرؤى والاهداف بين قوى الائتلاف الحاكم، وهذا ما يفرض عليها ان تعمل أولا على توحيد الرؤية والهدف، فان لم تتوحد الرؤية والهدف فلن تعدو الحكومة الجديدة أن تكون سوى تكرار للسابقة، وبالطبع لن تتوحد الرؤية والهدف إلا عبر برنامج وسياسات متفق عليها في كل المجالات، فالبرنامج يكون بمثابة العقد الذى هو قانونا شريعة المتعاقدين، ويتعرف من خلاله المواطنون على ما يدور في ذهن الحاكمين، ويتعرفون من خلاله أيضا على مدى إحساسهم وقربهم منهم ومن قضاياهم، فالمواطنون باتوا يملكون وعيا أكبر من أي وقت مضى، ولم يعد لديهم أي استعداد أن يوقعوا (شيك على بياض) لأي وجه جديد كان أو سابق، والوجه السابق اذا ما عاد مجددا تكون معركته في الإقناع أصعب من الأول، إذ يحتاج لأن يثبت نفسه مرة أخرى للمواطنين. وتكمن أهمية البرنامج في أنه يكون المقياس الذي يتم على أساسه مطابقة ما تعهدت به الحكومة مع ما تحقق بالفعل وتولت تنفيذه، فبدون البرنامج يكون من الصعب بمكان أن تتم محاسبة الحكومة أو التعرف على مدى جدية أدائها من عدمه. فمن خلال البرنامج يمكن إما إثابة الحكومة والثناء على حسن سيرها على خطى ما تعهدت به، أو معاقبتها ولومها على عدم تحقيقها لتعهداتها حد التظاهر ضدها بل والاطاحة بها. فالبرنامج ليس حقا للمواطنين فقط، وإنما هو قبل ذلك حق الدولة السودانية في أن تكتشف عقول أبنائها، والا يتقدم لخدمتها إلا كل مؤهل استعد جيدا وأفصح عن نواياه وأرهق ذهنه في تحديد أولويات الحكم..

التعليقات مغلقة.