خلافات الحرية والتغيير .. بـ(البرهان) لم تجد الحل
الخرطوم : وجدان طلحة
ربما إذا وُجه سؤال إلى قيادات عليا بالبلاد: إلى اين يتجه السودان الآن؟ سيقولون لا نملك إجابة، ويمكن أن يجيب بعضهم بأنه متجه إلى الهاوية، وإذا وجهت ذات السؤال إلى لجان المقاومة مثلاً، سيقولون إن السودان يتجه إلى السلطة المدنية، وأن ما يحدث من قتل وعنف هو ضريبة مستحقة لتحقيق الهدف، لأن الطريق إلى الديمقراطية ليس مفروشاً بالورود، ويرفقون ابتسامة عريضة مصحوبة بعبارة (نموت لتعيش الأجيال القادمة في سودان جديد)، والسؤال ذاته يمكن أن يجيب عليه سياسيون: (يا فيها يا نطفيها) .
أمس الأول أعلن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبد الفتاح البرهان، انسحابه من الوساطة بين مجموعة الحرية والتغيير (المجلس المركزي)، و(الكتلة الديمقراطية)، فالسؤال كيف يكون البرهان الذي هو جزء من الاتفاق الإطاري، وسيطاً بين المجموعتين؟ في وقت يتمسك فيه الجانبان بمواقفهما، ربما الحياد في هذا الموقف يكون صعباً جداً، حتى لو كان بين أصدقاء وليس مكونات سياسية مختلفة، تتبادل الاتهامات والتهديدات.
مجموعة (الكتلة الديمقراطية) تعتقد أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي، عبدالفتاح البرهان، يميل إلى مجموعة (المجلس المركزي)، بدليل أنه وقع اتفاقاً إطارياً معها، فالكتلة التي كانت في يوم من الأيام حليفة للبرهان، وساعدت في تنفيذ انقلابه العسكري في 25 أكتوبر، تعتقد أنه انقلب عليها أيضاً، ووقع اتفاقاً إطارياً مع خصمها السياسي، بالتالي تصر على موقفها، ولن تتنازل عنه، وكانت تتوقع أن تكون جزءاً من حكومة ما بعد الانقلاب، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب الضغط الدولي بأهمية عودة الحكم المدني .
وساطة البرهان:
البرهان اختار أن يلعب دور الوسيط بين مكونات الحرية والتغيير، لكنه أعلن تخليه عن هذا الدور مبكراً ، ليس بالضرورة أن يكون البرهان قد فشل في هذه المهمة، لكنه ربما يعلم أن الساسة السودانيين يعشقون الوساطة الخارجية، ولم تتعاون الأطراف كلها أو بعضها مع طرحه، ورأى أن الأفضل أن يتركهما يمضيان في مواقفهما، وربما خلال الفترة القادمة تتشكل ملامح أخرى للبلاد، وقتها ستكون الإجابة على الموقف الذي يتخذه بـ(أنه لن يسمح بإنزال البلاد، وأن الجيش هو المسؤولة عن أمنها)، فهذه العبارة ظل يرسلها بين وقت وآخر في بريد القوى السياسية .
بالضرورة أن يكون الوسيط ملماً بمعلومات كثيرة لتفادي العقبات التي تعطل تحقيق هدفه، وبالتأكيد فإن هذه الجزئية لن تفوت على البرهان، خاصة أنه يمكن أن يتناول من مطبخ المعلومات ما يكفي لإنجاح العملية، لكن تمترس القوى السياسية عند مصالحها الشخصية والحزبية يشعل الخلافات في الساحة السياسية، دون مراعاة لمصلحة البلاد .
ملعب سياسي
البلاد الآن عبارة ملعب سياسي يضم فريقين من القوى السياسية الأول هما مجموعة (المجلس المركزي) التي تضم محترفين أجانب من أجل تحقيق هدفها في إنجاح العملية السياسية، والفريق الثاني (الكتلة الديمقراطية) التي تؤمن بضرورة أن يضم فريقها لاعبين سيودانيين، وتقول إنها لا تريد الاستعانة بلاعب أو مدرب خارجي، لكنها في الوقت نفسه نقلت فريقها إلى الخارج، وترى أنها أفضل من منافسها؛ لأنها لجأت إلى أم الدنيا التي تربطها بالبلاد علاقات تاريخية وتتأثر مباشرة بالأوضاع التي تحدث بالخرطوم، لذلك تسعى إلى تقديم المساعدة في إيجاد حل للوضع الراهن .
لكن السؤال كيف سيكون حال السودان بعد اكتمال (الدافوري السياسي)، مجموعة (المجلس المركزي) ستنتهي من ورشتها ربما بالتزامن مع قدوم (الكتلة الديمقراطية) في مصر، فكيف ستكون الساحة السياسية؟
المبادرة المصرية يعتقد كثيرون أنها ممتازة لأنها تركت للقوى السياسية تحديد أجندتها، وسيكون الحوار سودانياً سودانياً، ومحدد كذلك موعدها، ومن المتوقع أن تعود (الكتلة الديمقراطية) برؤية واضحة .
بالمقابل، فإن مجموعة (المجلس المركزي) ترفض الاتهامات التي ساقتها (الكتلة الديمقراطية) بأنها سمحت للأجانب بالتدخل في الشأن السوداني، وتؤكد أن العملية السياسية وجدت قبولاً من أغلب الشعب السوداني.
أما الآلية الثلاثية متمسكة بأنها مسهل للعملية السياسية بالبلاد، وأن حل الأزمة يكون من السودانيين أنفسهم، ونفت أكثر من مرة انحيازها لطرف دون الآخر .
الضغط الدولي :
بعض التحليلات تُشير إلى أن مجموعتي الحرية والتغيير تسيران في خطين متوازيين، مجموعة (المركزي) تعتمد في تحقيق غاياتها على لجان المقاومة والضغط الدولي، وتريد أن تصطفي من (الكتلة) رئيس حركة العدل والمساواة، جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان، مني أركو مناوي، لكن القائديْن رهنا المشاركة في الاتفاق الإطاري بالمشاركة ككتلة، وليس منفردين، لكن مجموعة (المركزي) أشارت إلى أن أطراف العملية السياسية محددون، وبهذه الطريقة أغلقت الباب أمام بقية مكونات (الكتلة الديمقراطية) التي تضم إدارات أهلية وإسلاميين وقوى سياسية، كانت تشارك النظام السابق في السلطة .
اتفاق جوبا :
مجموعة (المجلس المركزي) أعلنت أن انطلاق ورشة اتفاق جوبا للسلام، الثلاثاء القادم، وستتولى الآلية الثلاثية مهام وتنظيم الورشة .
وقال الناطق باسم العملية السياسية، خالد عمر، سيتم تقديم الدعوات لممثلي القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري، والقوى الموقعة على اتفاق جوبا لسلام السودان، والنازحين واللاجئين، وتنظيمات النساء والشباب، ولجان المقاومة، والرعاة والرحل والمزارعين، والإدارات الأهلية، وفق تمثيل يضمن مشاركة ما لا يقل عن (٤٠٪) من النساء، وتمثيل كل ولايات السودان بالتركيز على المناطق المتأثرة بالحروب .
وأوضح أن لجنة التنسيق المشتركة واللجان المساعدة تواصل اجتماعاتها لمواصلة التحضير لبقية الورش والمؤتمرات التي ستعقد تباعاً عقب ورشة السلام، بما يضمن تسريع خطوات الوصول لحل سياسي نهائي يعبر عن آمال وتطلعات الشعب السوداني، ويعالج القضايا الرئيسية التي تضمن استرداد مسار التحول المدني الديمقراطي .
مستقبل الإطاري
بشكل عام فإن التفاعلات الحالية من شأنها أن تلقي بظلال كثيفة على مجمل العملية السياسية ومستقبل الاتفاق الإطاري، ويرى الكاتب الصحفي محمد جميل أحمد في مقاله، أن ما نشهده اليوم من اعتراضات لقوى حزبية وحركات سياسية من انقسام رأسي حيال الاتفاق الإطاري السياسي الذي تم توقيعه في الخامس من ديسمبر الماضي، بالتالي فإن المحصلة النهائية ليست هي كما يظن البعض، عدم التوافق، كلا، فقد يتم التوافق على الاتفاق الإطاري، وقد توقع ذلك كثير من القوى السياسية المعارضة له تحت ضغوط قوى خارجية، في المستقبل القريب، لكن المسألة ليست في التوافق الظاهري، وإنما في العقليات التي يكمن في باطنها انقسام عمودي حول مفهوم السودان ذاته من ناحية، وحول مفاهيم كثيرة، من الدولة إلى الحكومة إلى الشعب إلى المواطنة، فتخرج لنا الاختلافات وتطل برأسها ساعيةً إلى تفجير الاتفاق الإطاري من داخله، كما حدث الأمر من قبل مع اتفاق 17 أغسطس 2019، فالتباين الشديد جداً الذي يعشش في رؤوس السياسيين السودانيين والناشطين في السياسة من رؤساء القبائل وجماعات الإسلام السياسي حول مفهوم السودان وصيغته، هو الأساس الذي سيفجر أي اتفاق سياسي في المستقبل.
وتابع: “وللأسف فإن هذا الحد الذي وصلت إليه الجماعات السودانية في ظل تاريخ طويل من التهميش والإهمال عزز أمرين، الأول اليأس المطلق لتلك الجماعات من أي إصلاح لذهنية الهيمنة التي يتمتع بها المركز، والثاني، القناعة بأن حمل السلاح هو الذي سيجلب الحقوق للمهمشين، وكيفما اتفق، لكن ما هو غائب أيضاً في أفق تلك الجماعات التي أدمنت التهميش (الآن وهنا)، هو أن هذا التوقيت لليأس والبحث عن تقرير مصير أو انفصال هو توقيت خطير ومفتوح على نهايات كارثية، لأنه في الوقت الذي بدا أن الثورة واعدة بجلب الحقوق للمهمشين السودانيين في الشرق والغرب والجنوب، كان ذلك اليأس قد بلغ مدى من التشكيك لا يمكن العودة معه إلى جادة الصواب، وهنا سنجد أن هوية التخلف هي الدالة الكاشفة للموقف اليائس ذاك من طرف الجماعات الوطنية المهمشة، الأمر الذي ينذر بخطورة كبيرة على مستقبل صيغة السودان اليوم على ما هي عليه من تشويه.
التعليقات مغلقة.