حسن فضل المولى يكتب.. جمال الوالي.. النُّضَار

153

إنَّ من أشق و أرهق الأفعال إلى النفس

أن تتوخى ( الاعتدال ) و أنت تتحدث

عن إنسان تُحِبه أو آخر تبغضه ، فإنك

في الحالتين ترجو ( الله ) أن يعصمك

من ( تَجاوُزِ الحد ) و أنت تُقبل على

من تُحِب ، و يعصِمُك  من ( تَجاوُزِ الحد ) و أنت تَنْأى عمَّن تبغض ..

و أنت تُقْبِلُ على من تُحب ، فإن ( الاعتدال ) لا يعني غمط الحق ،

لكنه إظهار الحق بحق و حقيقة

و استحقاق ..

و هذا ما أجدني أكثر حرصاً عليه و أنا أكتب هذا المقال بعنوان ..

( جمال الوالي … النُّضَار … ) ..

و النُّضَار هو الخالص من كل شائبةٍ

و زِيف ..

ذَهَبٌ نُضَارٌ ، و وجه نُضار  ، و نفسٌ نُضار ، و ( جَمالٌ ) نُضار ..

و ( جمالٌ ) نُضارٌ يعني ( الحُسنَ )

الخالص ..

لكني أعني به هنا ، ( جمال بن محمد بن عبدالله الوالي ) الخالص ..

الخالص من كل شَيْنٍ و دَرَنٍ و وهَن ،

إلا ما يعتري ابن آدم من نقائصَ فُطِرَ عليها ، ذلك أن الكمال لله وحده ،

و المعصوم رسولنا الكريم وحده ..

و هكذا هوَ عندي ..

و هكذا هو عند من عرفه و خالطه ..

و عندما غُيِّب يوماً قَسْراً ، قلت إن

( جمال )حين توارى في تلك الغَيَابَة ، تبين للقاصي و الداني ، كم أن الرجل محبوبٌ و مُقِيمٌ في القلوب ..

إنني منذ أن عرفته فهو ( جمال ) النبيل ..

رفيق ، و رقيق ، و شفيق ، و أنيق ،

و ذو وجهٍ طليق ..

يجتهد في إنفاق ما يأتيه من مال ٍ،

حتى تكاد تشفق عليه و تقول لسائله :

إتق الله فيه ..

و تجده يسبقك إلى المسرات ،

و هو في الصدارة عند كل نازلة ..

حتى وهو بعيد ، يسبقك بالسؤال ،

و الإتصال ، و تفقُّد الأحوال ، و بذل

النوال ..

يعني في كل شأن هو ..

أمام ٌ، و إمامٌ ، و مِقدام ، و قِدااام ..

 

نعم ..

إني لأشهد أنه كان دائم الإنفاق ، سِراً

و علانية ..

إذا أقبل ، و طبعُه الإقبال ، فإنه

كالسحابة الوطفاء المِدرارة ، يُعطي

عطاء من تظن أنه قد آثرك بما لم

يؤثرك به أحدٌ من قبل ..

و كان لا يأتي هذا الصنيع عن حال

من يجلس على خزائن من ( ذهبٍ )

و ( دولار ) ، كما يظن الكثيرون ..

و لكنه ..

و كما أعلم عنه ، فقد كان كثيراً ما يُمسي وهو خالي الوفاض ، إلا من

يقينٍ راسخٍ بأن المال غادٍ و رائح ٌ،

و يبقى من المال الأجرُ و الأحاديثُ

و الذكر ..

كان دائماً يقول لي : ( أنا ما بقدر

أقول لي زول ما عندي و أنا عندي ) ..

و أذكر أنه في لقاءٍ ( ببيت الضيافة ) ،

ضم الرئيس الأسبق ( عمر البشير ) ،

و جَمعٌ من المغتربين ، قال لهم

( البشير ) عندما أشار أحدهم ( لجمال ) :

( يا جماعه جمال ده ماغَنِي ، لكنه

سخي ) ..

وفعلاً ..

تجده ( مَعْبَراً ) للمال و ليس (خازِناً ) ..

فمايأخذه من هناك ينفقه هنا ..

و ما يأخذه من ذاك يمنحه هذا ..

و إن لم يكن يملك ، فإنه يستدين

من أولئك لينفق على هؤلاء ..

و تجده في ذلك وَرِعاً عفيفاً ، لايأخذ

إلا بحق لينفق في حق ..

و لعله طيلة الفترة التي قضاها رئيساً لمجلس إدارة ( بنك الثروة الحيوانية ) ، فقد دخله نظيفاً و خرج منه أنظف ، لم يتقاضى أتعاباً عن ذلك التكليف ، و لم يقترض من البنك مليماً و احداً ، و من حقه ذلك ، كما يفعل معظم رؤساء مجالس إدارات البنوك ، و من ساوره شكٌ في قولي  فليذهب إلى البنك

و ليسأل كما فعل البعض من قبل ، وهم يسارعون سؤالاً و نبشاً علَّهم يجدون مَذَمَةً يطيرون بها في الآفاق ..

و على هذا فقِس ، إذ أنه في كل

تعاملاته المالية يَتَحَرَّى الحلال ،

و يَتَقي الشُّبُهات ..

 

كان يحرص في كل موسم حج على

استئجار طائرة يحمل على متنها

فوجاً من الحجيج ، تجد بينهم ،

القريب إليه و البعيد منه ، الميسور

و الفقير ، ومن لم يكن يتوقع أن

يناديه المُنادي بهذه السرعه و هذا

اليسر ..

و تجده يسهر على راحتهم و ينشط

في خدمتهم و يحمل هم كل واحدٍ

منهم ..

و كنت مرة واحداً من هؤلاء ..

وترافقنا ونحن نؤدي مناسك هذه

الشعيرة ، وفي طريق عودتنا من

( عرفات ) راجِلين إلى ( مُزدلِفة ) ،

ثمَّ إلى ( مِنى ) ، و عند رمي ( الجمرات ) ، و ( الطواف ) ، كنت

أجده دائماً أمامي مُنطَلِقاً لا يلوى

على شيء ، و لم تفلح معه كل

محاولاتي في مُحاذاته ، مما جعلني

أُحَدِّث نفسي بأن ( جمالاً ) يشُق

عليك أن تسبقه في كل حالٍ و مآل

و مجال ، إذ أنه سابق في الخيرات ،

و بالخيرات نحو الخيرات ..

و كنت أُغْبِطُه ..

و الغِبطَة نقيض الحسد ..

الحسد أن تتمنى زوال النعمة من غيرك ..

و الغبطة أن تتمنى أن يكون لك مثل

ما لأخيك ، ولا يزول عنه خيره بل يزيد ..

 

ما أصاب الداء حبيباً لديه ، أو وقف

ببابه ذو عِلَةٍ ، أو تناهى إليه خبرُ مريضٍ

إلا و أسرع إليه ، و كان الطبيب المؤازرا ، قبل الطبيب المُدَاويَّا ..

و إبان فترة عملي ( في مصر ) ، و لفترة

تقارب الأربعة أعوام ، كان لا يمر بي وقت إلا و يزفُّ لي مريضاً أو أكثر ،

و كان يتابع مسيرة علاجهم صباحاً

و عَشِية ، فأتعب أنا و لا يتعب هو ،

و يناقشني بدرايةٍ في طبيعة العِلة

و ما يُناسبها من علاج و دواء ، و لعل

ذلك يعود إلى كثرة متابعته لمثل هذه

الحالات ، أو مما يتعلمه من حرمه

الطبيب الإختصاصي دكتوره ( نعمه

إبراهيم حسن النعيم ) ، و هي شقيقة

الدكتوره ( كوثر إبراهيم ) حرم الأرباب

( صلاح أحمد إدريس ) ..

و لقد شهدته عياناً ، و نحن في ( دبي ) عندما باغت الداء صديقنا ( عبدالعزيز برجاس ) ، فأسرع بنقله إلى مستشفى (سليمان الحبيب ) ، و رابعنا الوجيه ( أحمد القاسم ) ، سادِن ( الذهب )

و ( النفائس ) ، و رأيت ( جمال ) يلاحق الأطباء بالسؤال إشفاقاً  ، حتى أنني كنت أشفق عليهما ، و عندما قرر الطبيب تنويمه ، و لأن في ذلك مخاطرة ، فقد كان يرجو الطبيب أن يتريث ريثما يفعل و يفعل ، إلا أن الطبيب لجأ إليَّ فأذنت له ، و بعدها غاب ( برجاس ) عن الدنيا ( ثلاثين يوماً ) حُسوما ، حتى ظننا أنه لن يعود إلى الحياة الدنيا بعد هذا الغياب الطويل ، و ظل ( جمال ) مُلازماً له ، ملازمة الود و العُشرة و المحبة التي انعقدت بينهما ..

و في يومٍ زارنا أحد شباب ( المريخ ) وهو يعمل و يسكن في ( الشارقه ) ،

و في المساء بلغ ( جمال ) أنه قد

أُدخل ( مستشفى الشارقه ) ، لإجراء

جراحه عاجله في القلب ، وهو مستشفى فخيم لا ينقصه شيئاً ، فما كان منه إلا أن وجه بنقله في تلك الليله ، إلى ( مستشفى سليمان الحبيب

الخاص ) في ( دبي ) ، حيث يرقد

( برجاس ) ، و أرسل إسعافاً ، رافقه أخي ( صديق كوباني ) ، و جاء به ،

على مقرُبةٍ من الفجر ، و أجريت له  العمليه على أعجل ما يكون ..

و هو دائماً في مثل هذه الحالات

يجتهد و يتفانى في فعل و تقديم

الأفضل و الأجدى و الأنفع ، مهما

كلفه ذلك ..

و ليس ذلك و قفاً على العلاج ، فقد

شهدته و خبرته ..

فهو يجود عليك بالأحب إلى نفسه ،

و يمنحك مما يحب أن يقتني لنفسه ،

و يُحب لك ما يحبه لنفسه و أكثر ..

لا يَسْتَكثِرُ مالاً

و لا يدَخِر وسعاً

و لا وقتاً

و لا يحجِب وُداً و مَعَزَةً ..

و أنا واحدٌ من أولئك الذين غمرتهم

هذه النفحات ، و هذه اللطائف ..

 

ورد عن الشيخ (  محي الدين بن عربي )

أنه قال : ( لن تبلغ من الدين شيئاً حتى

توَقِّرَ جميع الخلائق ) ..

و لقد رأيت من ( جمال ) توقيراً للناس

لا يقدر عليه إلا أولو العزم ، ممن فاضت قلوبهم بالمحبة و الرضى

و اليقين ..

و هي محبة ، و رضى ، يتدفقان من

قلبه فيغمران مَنْ حوله ..

و لقد رأيت ذلك رأي العين ..

إذ أنه لم يكن يضيق بأحدٍ

و لم يكن يرُدُّ أحداً ..

على كثرة من يُلاقي

و على كثرة ما يطلُبُهُ مَنْ يُلاقي

و على كثرة ما يُلاقي  مِمَّن يُلاقي ..

كنت أنا أجد في كل وقت أمام داره جمعاًمن أصحاب المآرب و الحاجات

يتزاحمون بالمناكب ، حتى أن أحدهم كان يظُن أو يُرَوِّج لأن هذا ( مستشفى )

و ليس مسكناً ، فقلت له : ( لماذا تدعهم يتجمهرون أمام المنزل

و فيهم و فيهم ، و قد ينالك منهم ما لايسر ) ، فقال لي : ( خليهم ، مافي حاجه بتحصل ) ، و هو يعرف جيداً

أن بينهم و بينهم وبينهم ..

و ذات مرة طلب منه أحدُهم أن

يَكُف عطاءه عن ( فلان ) ، فهو علاوةً

على أنه ميسور الحال ، فهو أيضاً ممن

يسيئون التصرف ، فكان رده أنه يعلم

ذلك ، و تمادى في وصله له و جزيل صِلاته ..

و مرة حكى لي ضاحكاً أن أحد أقربائه قال له : ( إنت  كده بتْكَمِل قروشك ، طيب مادام مُصِر ماتدي طوااالي ، مَطْوِح الواحد شويه ، تعالي بكره ، أنا مسافر ، أو أي عذر ، عشان الواحد ما ياخد بالساااهل كده ) ..

و ضحِكنا ..

و بالطبع لم يفعل ذلك

لأنه لم يكن بطبعه كذلك ..

و أنا أعلم جيداً أنه يُعطي أناساً هم

أفضل حالاً منه و أغنى ..

و يعطي كثيراً و غزيراً و بلا انقطاع ،

حتى أنني مرة قلت له ، بدلاً من أن

تهَب و احداً كل هذا فاجعله لإثنين

أو ثلاثة ، فما استجاب و أعارني أُذُناً صماء ..

لم يكن يطيع أحداً أبداً ..

في منْ يُعطي

و كم يُعطي

و كيف يُعطي

و أين يُعطي ..

 

و ما رأيت أحداً  مُبَرَءاً من شُحِ النفسِ مثل ( جمال ) ..

و هوَ عندما يُسأل لا يقول ( لا )

و في الدنيِّةِ لا تسمع منه غير ( لا ) ..

ذلك أنه قد جُبِل على أن يرى القبيح

قبيحاً و الجميل جميلاً ..

و أنا أخالط الناس كثيراً ، فما أن تأتي

سيرة ( جمال ) ، حتى تجد من يقول ..

عالجني أو عالج ( فُلان ) ..

أقال عثرتي أو عثرة ( فُلان )

برَني أو برَ ( فُلان ) ..

شاركنا في كذا ..

و جاءنا في كذا ..

و اتصل بنا في كذا ..

نعم ..

و أذكر هنا ، و أنا بمعيته بفندق ( قراند

حياة دبي ) ، حيث إنضم إلينا الطبيب

البارع ( حاتم أبوشورة ) و صادف أن كان ( بدبي ) شقيقه الودود ( حيدر أبوشورة ) ، و الذي دعانا لتناول العشاء على ضيافته  بالفندق  ذاته ، و قبل أن يحين الموعد ، أخبرني ( حيدر ) أن صديقه ( فُلان ) سيأتي بمعيته ، و هو  رجل أعمال شاب يقيم ( بدبي ) و قال لي : ( عارف ياحسن صديقي ده لما عرف أني عازمكم و معاكم ( جمال ) ، أصرَّ أنو يجي معاي ، و أخبرني أن والده قد جمعه مرة هوَ و إخوانه ، و هم من أسرة ( أم درمانية عريقه ) ، و قال لهم

في أي مكان تلاقوا ( جمال الوالي ) ده ،

تكرموه غاية الإكرام ، فقد أكرمني

يوماً ) ..

و كثيرون رأيته ينفَحُهُم و يتلطف بهم ..

و كثيرون أسَّروا لي بما قدمه لهم ،

و تلك المآذق التي أخرجهم منها ،

حتى أني كثيراً ما أتساءل : كيف أُتيح لهذا الرجل فعل كل هذا ، لكل هؤلاء ،

بكل تلك الشهامة و المروءة الشماء ..

و لكن ..

( على قدر أهل العزم تأتي العزائم

و على قدر الكرام تأتي المكارم ) ..

 

لا ينقاد أو يمضي و هو مغمض العينين ..

أبداً ، أبداً ..

له موقف ، و له رأي ، و له رؤية ..

إذا حاججته فإنه يحاجَّك الحُجة بالحجة ، و يصادم إذا اقتضى الأمر

مصادمة و منازلةً و مُناجزةً ..

و لكنه في كل الأحوال ، يفعل ذلك

إحقاقا للحق ،  الذي يرى أنه بالإتباع أنفع و أجدر و أحق ، و ليس إنتصاراً للنفس أو ميلاً مع الهوى الأخرق ..

و أنا هنا أتحدث بما شهدت و رأيت ..

لقد أمسك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بيد رجل في المسجد ، وقال للحاضرين: ( من منكم يشهد لهذا الرجل ؟ ) «أي يضمنه» ، فقام رجل وقال : ( أشهد بأنه رجل صالح ) ، ثم جلس ، فأوقفه عمر وقال له: ( هل أنت جاره الأقرب؟ ) فقال: ( لا ) ، فسأله عمر : ( هل رافقته في سفر؟ ) ، فقال : ( لا ) ، فسأله عمر : ( هل عاملته بالدرهم والدينار؟ ) ، فقال: ( لا )،  فإذا بأمير المؤمنين يقول له: ( اجلس أيها الرجل الطيب فإنك لا تعرفه ) .. ثم قال عمر للرجل بعد ما رد شهادته: ( لعلك رأيته يتمتم بقراءة القرآن في المسجد ،  فغرتك هذه التلاوة ، فظننت أنه رجل صالح! ) ..

لقد عملنا معاً في مكان واحد ..

و ضربنا في الأرض معاً ، شمالاً و جنوباً

و شرقاً ..

و ترافقنا بالساعات ، و نحن نرتاد مراتع الأفراح ، و نغشى مضارب الأتراح ..

فوقفت على طرفٍ مما رويت ..

و وقفت على تلك المحبه التى كان يبذلها له مَنْ هم أمامه و وراءه ، و عن

اليمين و عن الشمال ..

و حتى عندما اقتحم مجالاً لا يُجْمِعُ

أهلُهُ على أحد ، و لهم رأي في كل من

يتقدمهم ، فقد كان الأمر جدّ مختلف بالنسبة ( لجمال ) ، و هو يتسنم رئاسة ( نادي المريخ ) ، و أنت تستمع إلى كثيرين ، و ليس كل ، و هم يتغنون ..

( لن نُوالي غير الوالي ) ..

( جمال الوالي رئيس طوالي ) ..

و في منحىً آخرٍ طريف ..

لقد ذهبت برفقته يوماً  لتقديم واجب العزاء في شقيقة ( أبراهومة الصغير ) ، بحي ( ود أورو ) ، و صادفنا (  الهادي نصرالدين )  و هو أحد أشهر ظُرفاء

( أم درمان ) في مكان العزاء ، و كان  يحمل ( لجمال ) محبة خاصة ، كنت شاهداً على كثير من مظاهرها ، وترافقنا معه ، لزيارة أحد الإخوة جوار ( مسجد الإمام عبدالرحمن ) ، في طريقنا إلى ( الثورة ) ، و قد دعانا بإلحاح للغداء فاعتذرنا ، فقال : ( طيب أقعد إنت يا الهادي ) ، فأجابه : ( يازول إنت ما نصيح ،  غَدَا شنو البقعد أحْرِسو ، وأخَلِي ليهو جمال الوالي ) !!

محبة لا تُشْترى ..

و لا تُستلَف ..

و لا تُدَّعى ..

و لا تُصطَنع ..

و لا تأتي مصادفة ..

و لا يظُننَّ أحدٌ أنها محبة مردها إلى

إنفاق المال و حده ..

لا ، و كلا ..

إن مَرَدَّها إلى البذل بحب ..

و مباشرة الناس بحب ..

فيكافِئك الناس حباً بحب ..

و يَرُدون لك الحبَ أضعافاً مضاعفةً

من الحب ..

فتجد نفسك سابحاً في بُحيرةٍ من الحب ..

و تجد الحبَ يملأ قلبَك فتستحيل

بحيرةً عذبةً تعيش كلُ سوابِحِها في

حُبٍ و حُبٍ و حُب  ..

 

و كما أن ( جمال ) محل حفاوة الآخرين

و ثنائهم ، فهو لا يفتأ يثني بكل ما أوتي من مشاعر نابضة بالوفاء ، يثني بكل الامتنان ، و بكل الغبطة  ، و بكل عبارات المحبة على كل من أهدى إليه جميلاً ، و يُعظِّمهُ و يحدِّث به و يزهو ..

و أنا كثيراً ما حدَثني ، عن ذلك الذي

بسط له من المودة ما يُثلِجُ الصدرَ ،

و ذلك الذي آزره ، و ذلك الذي أعطاه

مما يحب و يضنُّ به الآخرون ..

و كما أن هناك أُناسٌ تصادفهم في

الحياة يَسْتَصْغِرون العظيمَ الذي

الذي يُساق إليهم ، فإن جمال يعْظُم

في عينيه الصغير الذي الذي تقدمه له

على استحياء ، بل و يفرح به و يُذِيعُه

و يُباهي ،  و لسان حاله يقول ..

إن قليلَكَ لا يُقال له قليلٌ ..

و لكنه كثيرٌ كثير ..

 

و عَهِدتُ ( جمالاً ) مُقْبِلاً على أطايب الحياة و رونقها ..

يُقبل على الأجمل ..

و يختار لنفسه الأجمل ..

و يَهَبُ الأنضر و الأجمل ..

و يدعوك إلى حيث الأجمل ..

و معه تعرف من الأصحاب الأجمل ..

و يتوخى فيما يفعل و يقول الأجمل ..

و يطربه ( كمال ترباس ) ، بغنائه

و تطريبه الأجمل ..

( ما تهتموا للأيام

و ما تهتموا أصلو الناس حياتا ظروف

تتحكم تغير كل خط مألوف

و ما تهتموا للأيام

مصير الزول حياتو ياما فيها يشوف

و في دنيانا بنلاقي الفرح و الخوف

و ما تهتموا للأيام ) ..

و التِماس الجمال ..

و إشاعة المحبة من صميم خٌلق المتصوفة ..

و ( جمالٌ ) مطبوع على وَلَهٍ بالمتصوفة

و منجذب إليهم ..

كان قريباً من الشيخ ( عبدالرحيم البرعي ) ..

و كان قريباً من الشيخ الدكتور ( الجيلي عبدالمحمود الحفيان ) ..

و كان قريباً من كثير من أئمة التصوف

و شيوخه و أوتاده ..

فتعَلَم منهم و ارتوي من حياضهم..

و المتصوفة يَقبَلون الناس بعِلاتِهم

و يُقبِلون على الناس على عِلاتهِم ..

و لا يضيقون أو يتأففون من عِلاتِهم ..

و يُحَبِبُون إليهم ( الطريق )

و يُجَمِّلونه لهم

و يُذَكِرونهم أنَّ ..

( الأرض أرض الله

و المَقَامُ واسعٌ

و رب الدار كريم ) ..

و ليس هناك أبلغ مما ذهب إليه

شيخُنا ( محيي الدين بن عربي ) ..

( و أنا يا أهل الخير عَبدٌ مَحْضٌ لله ،

لا أطلب التفوق على عباده ، بل إني

أتمنى أن يكون العالم كله على قدم

واحده في أعلى المراتب ، فلا ضيق

في مراتبِ المعْرِفة و الكمال ) ..

و كذلك فقد ثبت لي ..

لا ضيق في نيل المعالي ..

و لاضيق في اكتساب الخيرات ..

و لا ضيق في تفريج الكُرُبات ..

و لا ضيق في السعي بين الناس بالمودة

و المسرات ..

و العاقبة للصادقين المتقين السابقين

بالقُرُبات ..

 

و ( جمال ) من قبل و من بعد..

تجده باراً بأهله و موصولاً بقرابته ،

و هو ينتمي إلى دوحةٍ أنى ذهبت تجد

لها فرعاً داني القطوف ، فمن ( الزيداب ) بنهر النيل ،  إلى ( آل الأزرق ) بالقضارف ، و الذين هم أهل علمٍ و دين و كرم و نجدة ، و انتهاءً بالجزيرة ، هناك و هناك ، و هنا في

( فداسي ) ، حيث مسقط رأسه ،

و مقام ( أمِّهِ ) و ( أبيه ) و ( فصِيلتهِ

التي تؤوِيِهِ ) ..

و أبوه الشيخ ( محمد عبدالله الوالي ) ،

كان من قيادات المزارعين ، و قيادات

الإتحاديين ، و منارات الوجَهَاء ، و نال عضوية الجمعية التاسيسية ، و هو عالِمٌ و شاعرٌ تَنْسِبُه إلى فحول الشعراء ، و دونكم هذه الأبيات من قصيدته التي نظمها ناعياً فيها إبنه الغريق ( الصادق ) ..

( أملٌ تبَدَّدَ فاستحال سرابا

و منىً كَذَبْنَّ و كُنَّ قبل عِذابا )

و يمضي ..

( يا نيل قالوا إن ماءك نعمةٌ

يَهَبُ الحياة سعادةً و شبابا

يغشى اليباب فيستحيل مواتُه

روضاً يرف أزاهراً و خِلابا

ما بال مائك عَمَّ روضَ سعادتي

فأحاله بعد الحياة يَبَابا

يا نيل هل أدركت من غَيَّبْتَهُ

و منعته الأنفاسَ و الأسبابا

يا نيل هل أدركت موقع ”صادق”

مِنا و كيف زَكَا صِباهُ و طابا

يا نيل لو أدركت سرَ نُبُوغِه

و ذكاءه المُتوَقِّد الوثابا

ما كنت تجرؤ نِيِلُ أن تغتاله

و تسير فوق رُفَاتِه مُنسابا

و تخلِّف الآلام تَعْمُر رَبْعَنا

و الحزن ينشر فوقه أثوابا

لولا قليلٌ من تُقىً حصَنْتُهُ

بحِمىً من الإيمان عزَّ جَنَابَا

قد هبَّ يُلْهِمُني التصَبُّرَ و الرضا

بقضاء ربي صابراً أوَّابا

لهَلَكتُ حُزناً عند فقدي(صادقٍ )

أو عشت عُمري لا أحِيرُ جَوابا ) ..

 

و ( جمال ) تجده كثير الفخر ( بفداسي ) ، و ( الفدَّاسه ) ..

و حقّ له أن يفخر و يزهو ..

ففي هذه البلدة المعمورة التي تتوسط ( الحصاحيصا ) و ( مدني ) ، تجد

من الأخيار و العلماء ما يُدهِشُك ..

تجد فيها أساطين الطب ، و الهندسة ،

و الفقه ، و الزراعة ، و الإعلام ، و علوم الفيزياء و الكيمياء و الطيران

و الحيوان ، و فُصوص الحكمة  ، و كل لغات الفرنجة و ألسنتهم ..

و نحن نشاطره العزاء في رحيل والدته ،

طَفِقتُ أُحدِّث من كان إلى جانبي عن

عظمة هذه البلدة و أهلها ،  فأشرت

إلى جماعة من الناس كانوا على مقربة

منا ، يجلسون في وقار و تواضع

و تأدُّب ، و يرتدون أبسط الثياب ،

و يَحْتذون أبسط الأنْعُل ، و منهم من يرشف كوباً من الشاي ، و آخر يصلح عمامته ، و من هو حافي القدمين ،  حتى تحسبهم لم يغادروا ( فداسي ) يوماً ، و ما عرِفوا ( الخرطومَ )

و ( أمدرمانا) ..

قلت له أُنْظُر ..

هؤلاء كُلُهم من هُنا ..

و هؤلاء جُلهم نوابغ و فطاحِلة

و جهابِذة ..

و كلهم مهوى أفئدتِهم مُرْضِعَتِهم الرؤوم ( فداسي ) ..

هذا بروف ( فلان ) ، و هذا بروف ( فلان ) ، و هذا اللواء ( فلان ) ، و هذا بروف ( حسن الزين ) الخبير الإعلامي ، و قد درسني في الجامعة ، و هذا البروف ( مبارك المجذوب ) المتخصص في أمراض الدم ووزير التعليم العالي ، و هذا البروف الفريق شرطة ( صلاح المجذوب ) اختصاصي المخ و الأعصاب و المحاضر ( بجامعة الرباط ) و هذا المهندس البروف ( الشيخ المجذوب ) و هو زوج شقيقة ( جمال ) و هذا الباشمهندس ( آدم عبدالله ) كان نائباً لمحافظ ( مشروع الجزيرة ) و هو زوج شقيقة ( جمال ) ، و هذا البروف ( بابكر الدرديري ) أستاذ اللغه العربية و قد درسني ، و هذا الشيخ الدكتور ( العاقب حاج إدريس ) أستاذ الإعلام ، و هو من تعرفت عليه إبان فترة عملي معيداً ( بقسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض ) ، و ذاك البروف (  نصرالدين محمد عبدالله الوالي ) مدير مستشفى الذرة ( مدني ) ، و هو شقيق ( جمال ) ،

و هناك المهندس ( عبدالمحمود سليمان ) مدير سودانير ، و إلى جواره

المهندس ( عمر يوسف ) مدير الإدارة

الهندسية لمشروع الجزيرة ، و هو زوج شقيقة ( جمال )، و هذا البروفيسورات ( محي الدين المجذوب ) عميد عمداء كليات الطب ، و قد رُوِيَّ لي أن دكتور ( الأمين محمد عثمان ) طلب منه مرة ( cv ) لتقديمه لمنظمة عالمية فنفد ما بالفاكس من ورق قبل أن تَنْفَدَ سِيرَتُهُ ، و لعل ذاك هو المهندس ( عبدالله خوجلي ) عميد كلية الهندسة بجامعة الخرطوم ، و أيضاً المهندس البارع ( أحمد خوجلي ) ، و الذي سلَّم علَّي قبل قليل هو زميل دراستي في الجامعة  العالِم الشاعر  ( المغيرة ) بن العالِم الورع الفقيه الشيخ ( محمد رملي ) ،

و الذي يجلس هناك هو ( محمد أحمد الجاك ) من أثرى الأثرياء في السودان ، و هو خال ( جمال ) ، و الذي أمامه

( سيف الوالي ) النافذ في الطيران المدني و هو شقيق ( جمال ) ..

و هنا أكثر من عشرين من العُلماء الأفذاذ ، الذين نالوا الدرجات العليا

من أرفع الجامعات الأمريكية

و البريطانية و الفرنسية ، و لعلك

لا تلمس فيهم غُروراً و لا  عُلُوَّاً و لا استكبارا ، ولا يتَشَدَّقون و لا يُقَهْقِهون

و لا يَتَفَيْهَقُون ، و لا تصُدُر عنهم ( Yes)

أو ( No ) إدعاءً و تنَطُّعاً ..

و إذا انتفضوا و خرجوا سِراعاً و تِباعاً ، فتأكد أن وُجهَتهم ( المسجد ) ، أو

عائدين إلى أكنانِهم و أشغالِهِم ..

 

في هذه المنابت الطيبة نشأ ( جمال ) ، فأخذ من طَيِّبِها و طِيبَتِها و طِيْبِها

و أطايِبها و طُيُوبِها ، و كل مشتقات ( طاب يطيب ) ..

و المَنْبَتُ الحسن يورث أحسن الخصال ..

و لعل من محاسن الخصال أن تسعى

في قضاء حوائج ( الخلائق ) من الناس ..

و قضاء حوائج ( الخلائق ) يكون ببذل الجهد و المال و إحسان ( العلائق ) ..

و إحسان (  العلائق ) من أحب الأعمال

إلى ( الخالق ) ..

و ( جمال ) يسعى إلى مرضاة ( الخالق ) بالمداومة على العطاء ..

و هو عطاءٌ ..

مع نقاءٍ ..

في صفاءٍ ..

على حياءٍ ..

بصدقٍ و وفاءٍ ..

و إن عبادةَ اللهِ ، بالقيام على شئون خلقه ، و السعي في مصالحهم ، قد

تكون أشق على النفس من الجهاد

في سبيله ، و أرجى منفعة ، و أعظم

ثواباً ، و أقصر الطرق إلى رحمة الله

و ألطافه الخفيَّة و نِعمه السخيَّة ..

و يبقي من حُسنِ المحاسن أن تَلهَج

ألسنتُنا بما نرى ..

من صنائع المعروف

و صُنّاع المعروف

و مَراقِي المعروف

و ها أنذا أفعل ..

أفعلُ ذلك اتساقاً مع قاعدةِ أن تقولَ

لمن أحسن : ( أحسنت ، و أحسنت ) ..

و هو  خُلُق نبيل يلزم أن نتواصى به

و نُشِيعُهُ ..

و بمعنى آخر ..

إذا أسديت معروفاً لأحدٍ فلا تَعْمَد

إلى التغني به و الافتخار حتى لا تقع

تحت طائلة الرياء ..

و إذا أصابك معروفٌ من أحدٍ أو رأيت

معروفاً ينالُ أحداً ، فلك أن تُحَدِّث به

و تُذيعُهُ ، لا و يُندب ذلك حتى تُحَبِب الآخرين في جَميل الفِعال و الخِصال ..

قال تعالى :

٣٩)وَ أَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى

٤٠)وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى

٤١)ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى

٤٢)وَ أَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى ..

صدق الله العظيم ..

و على الله قصد السبيل ..

 

و السلام ..

أم درمان .. ٢٣ يناير ٢٠٢٣

التعليقات مغلقة.