صاحب نبض غنائي عالي يركز على الجانب الوجداني محمد جعفر عثمان .. شاعر الروائع ( وسط الزهور متصور ـ اسير حسنك يا غالي ـ غربة وشجن ـ حنين يا ليل ـ ما كنت عارف ـ احلي عيون بنريدها) وثق له سراج الدين مصطفي

144

صاحب نبض غنائي عالي يركز على الجانب الوجداني
محمد جعفر عثمان .. شاعر الروائع
( وسط الزهور متصور ـ اسير حسنك يا غالي ـ غربة وشجن ـ حنين يا ليل ـ ما كنت عارف ـ احلي عيون بنريدها)
وثق له سراج الدين مصطفي
(1)
قائمة من الأغنيات الباهرة والفارعة قدمها الموسيقار الكبير عمر الشاعر .. وحينما نقول (الكبير) فهو كذلك .. فهو لم يكبر بالكلام ويتطاول بالتصريحات الهوائية .. ولكنه قدم ما يشفع له بأن يكون كبيراً وصاحب تقدير عند الوجدان السوداني.. ولعل (جنابو عمر) يعتبر من المجددين في الموسيقي السودانية ولم يقتصر تعاونه مع زيدان بل إمتد ظل أعماله الفنية إلى العديد من الأسماء في الساحة الفنية ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ( ثنائي النغم ، ثنائي الجزيرة ، ونجم الدين الفاضل ، وعبد العزيز المبارك وعبدالعظيم حركة وعثمان مصطفي ، وآخرين ، وكذلك ساهم في مد الفنانين الشباب بأعمال مميزة كانت من نصيب العديد من الفنانين الشباب.. ولعل عمر الشاعر هو الملحن الوحيد الذي تغني بروائع الشاعر محمد جعفر عثمان ونال زيدان النصيب الأكبر منها .. وربما يعود لعمر الشاعر إكتشاف شاعر عظيم بقدرات محمد جعفر عثمان.
(2)
بمفردته ذات الطعم المغاير أحدث الشاعر محمد جعفر عثمان إنقلاباً في شكل القصيدة الغنائية ورفدها بتراكيب ومضامين جديدة لم تكن معتادة وغير مألوفة، حيث ذكر الأستاذ معاوية حسن يس في كتابه (من تاريخ الغناء والموسيقي في السودان 1940 ـ 1999) وفي صفحة (368) قال (يمكن وصف الشاعر محمد جعفر عثمان بأنه شاعر التحولات الكبري في مسارات المطربين وفي مسيرة الشعر الغنائي نفسه في أبرز المنعطفات التي مر بها بعد إنتهاء العصر الذهبي ، خصوصاً بعد ما توقف كبار نجوم الغناء وشعرائهم عن العطاء في نهاية العقد السادس من القرن العشرين،كانت الساحة الفنية تحتضن في تلك الفترة أغنيات الشعراء المقلين كالتجاني سعيد وعمر الطيب الدوش وكانت تمور بعطاء الحلنقي ، وهكذا ظهر الشاعر محمد جعفر عثمان ليأخذ الساحة الفنية علي حين غرة بمفرداته الجديدة التي صدح بها المطرب زيدان إبراهيم وسرعات ما تلقفت أشعاره الغنائية الأصوات التي ملأت الساحة لتعلن سيادتها علي دنيا الغناء إبان سنوات السبعين والثمانين من القرن العشرين.
(3)
إعتلي زيدان إبراهيم القمة الفنية وأصبح متسيداً للساحة الفنية حينما تغني بأغنيته الخفيفة( وسط الزهور متصور) التي كتبها الشاعر محمد جعفر عثمان ولحنها الموسيقار عمر الشاعر:
وسط الزهور متصور
وجها صبوح و منور
رقه و حنان كاسيه
ذي القمر مدوِّر
***
هز الكيان بهديله
سحر العيون بكحيله
ما اظن الاقي مثيله
هو الوحيد في جيله
*****
شايقاني فيه ابتسامه
وطيبة عيون ووسامه
شيلي الغصون يا حمامه
شوق القلوب و هيامها
*****
ازكي الخيال و الفكرة
زكراهو حلوة و عطرة
و الذكري زاد لي بكرة
يا وارث العفاف بالفطرة
*****
احييك في بعدي
يا نجمي يا سعدي
لو التمني بيجدي
تحيا الف من بعدي
(4)
وبينما كان يتعالي نجم زيدان إبراهيم وتضج الأماكن بأسمه وتردد أغنياته، كان الشاعر محمد جعفر عثمان بعيداً عن كل ذلك الصخب، يجلس في هدوء بمنزله بحي العباسية بأم درمان، لم يبحث عن النجومية ولم يجر خلفها كما يفعل البعض، ذلك التماهي مع الهدوء ربما غيب السيرة الذاتية للشاعر محمد جعفر عثمان وساهمت شخصيته الهادئة ذات الرزانة والأدب العالي في ذلك التغييب، ولكن من المهم أن أقول أن الشاعر محمد جعفر عثمان وأسمه بالكامل (محمد جعفر محمد عثمان) وكان يلقب بمحمد الشريف او ود الشريف، ولد في أدرمان بحي العباسية شرق عام 1936 والده الشريف جعفر محمد عثمان المكي السندي من اصول من مكه المكرمة ووالدته فاطمة بت احمد المقص من قبيلة الرباطاب ووالدته هي زينب ابراهيم علي الاغا والدها تركي ووالدتها بت النور بت حمد النيل يوسف من قبيلة الحسانية بحي العرب.
(5)
الشاعر محمد جعفر عثمان له من الاشقاء – السيد محمد عثمان – هاشم – السيدة نفيسة، كما له أخوان من جهة الاب هم علي الشريف – عبدالله الشريف – ابراهيم الشريف – عبدالوهاب الشريف – فاطمه الشريف – عاتكه الشريف – حواء الشريف – زينب الشريف – عائشه الشريف.
عاش الشاعر محمد جعفر عثمان كل حياته بحي العباسية شرق ، وتفجرت ينابيع إبداعه الشعرية وسط أصدقائه الفنان زيدان إبراهيم والموسيقار عمر الشاعر والشاعر التجاني حاج موسي ويوسف محمد يوسف* والشاعر الراحل مصطفي عبدالرحيم.
(6)
الشاعر محمد جعفر عثمان إمتازت حياته بعلاقات إجتماعية كبيرة وبدأ ذلك المنحي الإجتماعي منذ طفولته ، حيث كان أصدقاؤه هم(الدكتور يوسف حسن سعد – الشاعر صلاح احمد ابراهيم – السيد محمد عبدالرحمن المهدي – الشاعر ابوقرون عبدالله ابوقرون – الصحفي عصمت العالم – محمد خضر ابراهيم العبادي – الغالي ابو القاشم هاشم – دكتور علي يعقوب الحلو – ابراهيم شبيكة – بشرى السماني – بابكر ادريس – عثمان احمد ادم – علي ابو شنب – بهاء الدين ابوشله) وقد ظهرت وسط تلك الأجواء المفعمة بالتنافس والتطلع للتجريب والإتيان بالجديد في أغنيته (وسط الزهور متصور) التي نقلت الفنان زيدان إبراهيم الي ذروة النجاح والتألق وهي أمنيات ظل يتوق إليها منذ دخوله الساحة الفنية في مطلع العقد السادس كما يقول الأستاذ معاوية حسن يس في كتابه تاريخ الموسيقي والغناء في السودان.
بجانب موهبته العظيمة في كتابة الشعر إهتم الشاعر محمد جعفر عثمان بالتأهيل الأكاديمي فهو درس الأولية في مدرسة بيت الامانه الابتدائية – ودرس المرحلة الوسطي في مدرسة امدرمان الاميرية – عطبرة الثانوية ودرس المرحلة الجامعية في المعهد الفني وتخصص في المحاسبة كما نال زمالة المحاسبين البريطانين من جامعه ادنبرا.
(7)
وبحسب رواية إبنه المهندس ربيع محمد جعفر الذي ذكر لنا اصدقائه من الشعراء والفنانيين : سعادة العميد معاش عمر الشاعر- محمد يوسف موسي – الاعلامي والشاعر ذو النون بشرى – التجاني حاج موسى – الفنان الراحل المقيم زيدان ابراهيم – الفنان عبدالعزيز المبارك – الاستاذة ثنائي الجزيرة – الفضليات ثنائي النغم – الاستاذ المربي صديق عباس – والراحل الفنان ابراهيم حسين – والراحل عثمان مصطفى – والراحل حمد الريح – الفنان عبدالرحمن عبدالله وجميع الاستاذة الفنايين والملحنين والشعراء.
مارس الراحل محمد جعفر عثمان مهنة المحاسبة التي درسها وتخصص فيها حتي نال أرفع الشهادات الأكاديمية ، ونسبة لمؤهلاته العالية في هذا المجال تولي العديد من الوظائف وتجول في أماكن عملية عديدة مثل :بنك باركليز – شركة السير ماكدونالذ – شركة المراهنات العامة – شركات الراجحي للصرافة بالمملكة العربية السعودية – بنك عمان المحدود .. الجدير بالذكر أن الراحل قضي ردحاً من حياته بالمملكة العربية السعودية.
(8)
السجل الغنائي للشاعر الراحل محمد جعفر عثمان حوي عدداً كبيراً من الأغنيات التي لونت وجدان الشعب السوداني ، وقد ازدهر شعره الغنائي الوجداني في تلك الحقبة بسببه وذلك لمجمل ما قدم من أغنيات .. فهو قدم للشعب السوداني هذه القائمة من الأغنيات:

• الفنان عائشه الفلاتية اغنية (ليه اخاف عليك) – (اغنية العيد) وعمل ثالت وجميعها من الحان الراحل المقيم برعي محمد دفع الله.
• الفنان شرحبيل احمد اغنية (يا قمر اهواك) من الحان شرحبيل احمد.
• الفنان زيدان ابراهيم اغنية تصور ( وسط الزهور متصور ) – (اسير حسنك يا غالي) – ((غربة وشجن) و(حنين يا ليل) جميعها من الحان عمر الشاعر.
• الفنان عبد العزيز المبارك : (ما كنت عارف) – (احلا عيون بنريدها) (الريدة الخالدة) كلها من الحان عمر .
• الفنان ابراهيم حسين : اجمل منى ( عشناك منى يا اجمل غنى ) من الحان عمر الشاعر.
• الفنان عثمان مصطفى : اجمل احساس ( أسرني يا مياس ) من الحان عمر الشاعر.
• الفنان محمود تاور : متناسي ( حقيقه بيقولو عليك متناسي ) من الحان عمر الشاعر.
• الفنان علي السقيد : بين عينك من الحان عمر .
• الفنان اسامه الشيخ : باحة الليل الجميل من الحان عمر الشاعر.
• الفنان علي ابراهيم اللحو : افراح سنيني من الحان علي ابراهيم اللحو.
• الفنان عز الدين عبدالماجد : عدا الهنا من الحان الراحل الفاتح كسلاوي.
(9)
الشاعر محمد جعفر عثمان شاعر صاحب نبض غنائي عالي يركز على الجانب الوجداني المتخصص بالعواطف والمشاعر، ولا يقتصر فقط على الجانب المادي من الوصف، بل يدخل في صميم المشاعر.. استأثر بمعظم طاقة الشعر الوجداني في ذاك الزمان ، وفجر ينابيع هذه الطاقة وأخرج مشاعرها الكامنة التي كانت غافيةً. وهو شاعر يؤثر بشكلٍ فعال ومهم في التحكم في أغراض الشعر وموضوعاته، ويوظف المشاعر فيه.
الشاعر محمد جعفر ترك إرثاً كبيراً في الشعر الغنائي السوداني الذي يملك خصائص الجمال والحيوية وترك الكثير من القصائد الوجدانية الغنائية الرائعة. ركزت مواضيعه حول تقلبات المشاعر الإنسانية المختلفة وكل ما فيها مما جعلها تتسامي هو التزامه بالغزل العذري العفيف الذي يحتوي على أفكار ومغزى، وتحوله عن الغزل الفاحش والصريح.
(10)
بعد حياة حافلة بالإبداع إنتقل الشاعر محمد جعفر عثمان للرفيق الأعلي في العام 2005مخلفاً ورائه سيرة عطرة ستظل الأجيال ترددها بلا إنقطاع.

التعليقات مغلقة.